الحاوي الكبير (صفحة 2236)

تَرْضَى يَا عَبْدَ اللَّهِ أَنْ يُعْطِيَكَ اللَّهُ تَعَالَى دَارًا هِيَ خَيْرٌ مِنْهَا فِي الْجَنَّةِ؟ قَالَ: بَلَى. قَالَ: فَذَلِكَ لَكَ.

فَلَمَّا افْتَتَحَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مَكَّةَ كَلَّمَهُ أَبُو أَحْمَدَ بْنُ جَحْشٍ فِي دَارِهِمُ فَأَمْسَكَ عَنْهُ كَرَاهَةَ أَنْ يَرْجِعَ فِي شيء أصيب من أَمْوَالِهِمْ فِي اللَّهِ تَعَالَى فَقَالَ لِأَبِي سُفْيَانَ:

(أَلَا بَلِّغْ أَبَا سُفْيَانَ عَنْ أَمْرٍ عَوَاقِبُهُ نَدَامَةْ ... دَارَ ابْنِ عَمِّكَ بِعْتَهَا تَقْضِي بِهَا عَنْكَ الْغَرَامَةْ)

(اذْهَبْ بِهَا اذْهَبْ بِهَا طَوَّقْتَهَا طَوْقَ الْحَمَامَةْ)

فَمَوْضِعُ الدَّلِيلِ مِنْ هَذَا هُوَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ لِلْبَيْعِ تَأْثِيرٌ مَا جَعَلَ الْمُشْتَرِيَ أَحَقَّ؛ وَلِأَنَّهُ أَحَدُ الْحَرَمَيْنِ فَجَازَ أَنْ يَصِحَّ بَيْعُ مَنَازِلِهِ وَعَقَارِهِ كَالْمَدِينَةِ.

فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْله تَعَالَى: {وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً} [الحج: 25] ، فَهُوَ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مُوجَبِ اللَّفْظِ فِي أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ نَفْسُ الْمَسْجِدِ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ مَكَّةَ.

وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى: {إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا} [النمل: 91] يَعْنِي حَرَّمَ صَيْدَهَا وَشَجَرَهَا.

وَأَمَّا احْتِجَاجُهُمْ بِالْخَبَرِ فَمُنْقَطِعٌ؛ لِأَنَّ ابْنَ أَبِي نَجِيحٍ لَمْ يَلْقَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو، وَلِأَنَّ الْحَدِيثَ مَوْقُوفٌ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، وَلَوْ ثَبَتَ لَكَانَ مَحْمُولًا على الاستحباب.

وأما قول علقمة بن نضلة إنَّ بُيُوتَ مَكَّةَ كَانَتْ تُدْعَى السَّوَائِبَ فَالسَّائِبَةُ لا حكم لها عندها وَقَدْ أَبْطَلَهَا اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ.

عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَالَ ذَلِكَ لِكَثْرَةِ الْوُقُوفِ بِهَا. فَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَدِمْتُ مَكَّةَ وَمَعِيَ مَالٌ، فَقِيلَ لِي لَوِ اشْتَرَيْتَ بِهَا دَارًا تَكُونُ لَأَهْلِكَ فَلَمْ أَفْعَلْ لِعِلْمِي بِكَثْرَةِ الْوُقُوفِ بِهَا.

وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمُمْتَنِعٌ؛ لِأَنَّ الْمَسَاجِدَ الْمُحَرَّمَةَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَاسَ عَلَيْهَا الْمَنَازِلُ الْمَسْكُونَةُ فِي تَحْرِيمِ الْبَيْعِ. أَلَا تَرَى أَنَّ سَائِرَ مَسَاجِدِ الْبِلَادِ لَا يَدُلُّ تَحْرِيمُ بَيْعِهَا عَلَى تَحْرِيمِ الدُّورِ وَالْمَنَازِلِ بِهَا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015