الحاوي الكبير (صفحة 2229)

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ جَوَازُ اتِّخَاذِهِ لحراسة البيوت لما فيه من التيقظ والعواء عَلَى مَنْ أَنْكَرَ فَصَارَ فِي مَعْنَى مَا وَرَدَ الِاسْتِثْنَاءُ فِيهِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اتِّخَاذُهُ لِحِرَاسَةِ الدُّورِ وَالْبُيُوتِ فِي الْمُدُنِ لِأَنَّهُ قَدْ يُسْتَغْنَى بِالدُّرُوبِ وَالْحُرَّاسِ فِيهَا عَنِ الْكِلَابِ؛ وَلِأَنَّ الْكِلَابَ لَا تُغْنِي فِي الْمَنَازِلِ ما تغني في الزرع وَالْمَوَاشِي، لِأَنَّ حِفْظَ الْمَنَازِلِ مِنَ النَّاسِ، وَالْكَلْبُ رُبَّمَا احْتَالَ الْإِنْسَانُ عَلَيْهِ بِلُقْمَةٍ يُطْعِمُهُ حَتَّى يَأْلَفَهُ فَلَا يُنْكِرُهُ إِذَا وَرَدَ لِلسَّرِقَةِ وَالتَّلَصُّصِ، والزروع وَالْمَوَاشِي تُحْفَظُ مِنَ الْوَحْشِ وَالسِّبَاعِ فَلَا يَتِمُّ فِيهَا حِيلَةً فِي أَلِفِ الْكَلْبِ لَهَا فَافْتَرَقَ الْمَعْنَى فِيهِمَا.

وَأَمَّا اقْتِنَاءُ جَرْوِ الْكِلَابِ وَصِغَارِهَا لِتَعَلُّمِ الصَّيْدِ أَوْ حِفْظِ الزُّرُوعِ وَالْمَوَاشِي فَفِي جَوَازِهِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: لَا يَجُوزُ لِأَنَّهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ غَيْرُ مُنْتَفَعٍ بِهَا.

وَالثَّانِي: يَجُوزُ اقْتِنَاؤُهَا لِلتَّعْلِيمِ، لِأَنَّ تَعْلِيمَهَا مَنْفَعَةٌ، وَلِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الِاصْطِيَادُ بِهَا إِلَّا بَعْدَ التَّعْلِيمِ فَلَوْ مُنِعَ مِنْ تَعْلِيمِهَا لَمُنِعَ مِنَ الصَّيْدِ بِهَا.

وَأَمَّا مَا انْتُفِعَ بِهِ مِنْ كِلَابِ الصَّيْدِ وَالْحَرْثِ وَالْمَاشِيَةِ إِذَا اقْتَنَاهَا مَنْ لَا يَنْتَفِعُ بِهَا مِمَّنْ لَيْسَ لَهُ صَيْدٌ وَلَا حَرْثٌ وَلَا مَاشِيَةٌ فَفِي جَوَازِهِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: يَجُوزُ اعْتِبَارًا لَهَا لِمَا فِيهَا مِنَ الْمَنْفَعَةِ.

وَالثَّانِي: لا يجوز اعتبارا بأربابها ولأنه لَيْسَ لَهُمْ فِيهَا مَنْفَعَةٌ.

وَهَكَذَا لَوِ اتَّخَذَ صَاحِبُ الْحَرْثِ كَلْبَ مَاشِيَةٍ، أَوِ اتَّخَذَ صَاحِبُ الْمَاشِيَةِ كَلْبَ حَرْثٍ كَانَ عَلَى هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ.

فصل: حكم إجارة الكلاب مباحة الانتفاع

فَإِذَا ثَبَتَ جَوَازُ الِانْتِفَاعِ بِهَا فِيمَا ذَكَرْنَا وَاقْتِنَاؤُهَا مِنَ الْمَنَافِعِ لِمَا وَصَفْنَا، فَفِي جَوَازِ إِجَارَتِهَا لِتِلْكَ الْمَنْفَعَةِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: يَجُوزُ لِأَنَّهَا مَنْفَعَةٌ مُبَاحَةٌ مِنْ عَيْنٍ مَعْرُوفَةٍ، وَلَيْسَ الْمَانِعُ مِنْ بَيْعِ الْأَصْلِ مَانِعًا مِنْ جَوَازِ إِجَارَتِهِ كَالْوَقْفِ وَأُمِّ الْوَلَدِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ إِجَارَتَهَا غَيْرُ جَائِزَةٍ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ مِنْهَا غَيْرُ مَمْلُوكَةٍ وَإِنْ أُبِيحَتْ بِخِلَافِ الْوَقْفِ وَأُمِّ الْوَلَدِ. أَلَا تَرَى أَنَّ غَاصِبًا لَوْ غَصَبَ كَلْبًا مُنْتَفَعًا بِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ أُجْرَةُ مِثْلِهِ وَيَلْزَمْهُ فِي الوقف أجرة مثله.

أَقْسَامُ الْحَيَوَانِ وَحُكْمُ كُلِّ قِسْمٍ

مَسْأَلَةٌ:

قَالَ الشافعي رحمه الله تعالى: " وَمَا سِوَى ذَلِكَ مِمَّا فِيهِ مَنْفَعَةٌ فِي حياته بيع

طور بواسطة نورين ميديا © 2015