أحدهما: معرفة قدره.
والثاني: معرفة صفته فتنتفي الجهالة عِنْدَ الْمُطَالَبَةِ. فَأَمَّا الصِّفَةُ فَمُعْتَبِرَةٌ بِحَسَبِ اعْتِبَارِهَا فِي السَّلَمِ.
وَأَمَّا الْقَدْرُ فَيَكُونُ بِالْوَزْنِ إِنْ كَانَ مَوْزُونًا وَبِالْكَيْلِ إِنْ كَانَ مَكِيلًا وَالذَّرْعِ وَالْعَدَدِ إِنْ كَانَ مَذْرُوعًا أَوْ مَعْدُودًا.
فَلَو كَانَ الْقَرْضُ مَكِيلًا فَأَقْرَضَهُ إِيَّاهُ وَزْنًا جَازَ إِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ الرِّبَا لِأَنَّهُ يَصِيرُ به مَعْلُومًا بِهِ.
وَإِنْ كَانَ فِيهِ الرِّبَا فَعَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: لَا يَجُوزُ خَوْفَ الرِّبَا كَالْبَيْعِ.
والثاني: يجوز وبه قال أبو حامد المروذي لِأَنَّ الْقَرْضَ عَقْدُ إِرْفَاقٍ وَتَوْسِعَةٍ لَا يُرَاعَى فِيهِ مَا يُرَاعَى فِي عُقُودِ الْمُعَاوَضَةِ. أَلَا تَرَى لَوْ رَدَّ زِيَادَةً عَلَى مَا اقْتَرَضَ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ جَازَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ رِبًا مُحَرَّمًا.
وَلَوْ كَانَ الْقَرْضُ مَوْزُونًا فَأَقْرَضَهُ إِيَّاهُ كَيْلًا، فَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَنْحَصِرُ بِالْكَيْلِ كَالْقُطْنِ وَالْكَتَّانِ وَالصُّفْرِ وَالنُّحَاسِ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ لَمْ تَنْتِفِ عَنْهُ. وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَنْحَصِرُ بِالْكَيْلِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ الرِّبَا جَازَ وَإِنْ كَانَ فِيهِ الرِّبَا فَعَلَى وجهين.
ولكن لو أقرضه جزافا فلم يَجُزْ لِلْجَهْلِ بِقَدْرِ مَا يَسْتَحِقُّ الرُّجُوعَ بِهِ.
وَإِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِغَيْرِهِ: أَقْرِضْ لِي مِائَةَ دِرْهَمٍ وَلَكَ عَلَيَّ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ فَقَدْ كَرِهَ ذَلِكَ إِسْحَاقُ وَأَجَازَهُ أَحْمَدُ، وَهُوَ عِنْدَنَا يَجْرِي مَجْرَى الْجَعَالَةِ وَلَا بَأْسَ بِهِ.
فَلَوْ أَنَّ الْمَأْمُورَ أَقْرَضَهُ مِائَةَ دِرْهَمٍ مِنْ مَالِهِ لَمْ يَسْتَحِقَّ الْعَشَرَةَ الْأُجْرَةَ لِأَنَّهَا بُذِلَتْ لَهُ عَلَى قرض من غيره.
وَإِنْ كَانَ قَبْلَ رَدِّ الْقَرْضِ عَلَيْهِ فَقَدْ كَرِهَ ذَلِكَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَأَجَازَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَهُوَ عِنْدَنَا جَائِزٌ إِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ وَالتَّنَزُّهُ عَنْهُ أَوْلَى، لِمَا رُوِيَ أَنَّ زيد بن ثابت رضي الله عنه اسْتَقْرَضَ مِنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَالًا وَكَانَ يُهَادِيهِ فَامْتَنَعَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ قَبُولِ هَدِيَّتِهِ فَرَدَّ زَيْدٌ الْقَرْضَ وَقَالَ: لَا حَاجَةَ لِي فِيمَا يَقْطَعُ الْوَصْلَةَ بَيْنِي وبينك.
قال الشافعي رحمه الله تعالى: " وَلَوْ كَانَ لَهُ عَلَى رَجُلٍ حَقٌّ مِنْ بَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِ حَالَ فَأَخَّرَهُ بِهِ مُدَّةً كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ مَتَى شَاءَ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ بِإِخْرَاجِ شَيْءٍ مِنْ مِلْكِهِ وَلَا أَخَذَ مِنْهُ عِوَضًا فَيَلْزَمُهُ وَهَذَا مَعْرُوفٌ لَا يَجِبُ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهِ ".