أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ يُصْبِحُ جُنُبًا مِنْ جِمَاعٍ لَا مِنِ احْتِلَامٍ، وَمِنِ احْتِلَامٍ لَا مِنْ جماعٍ، فَيَغْتَسِلُ وَيُتَمِّمُ صَوْمَهُ. وَقَالَ أبو حنيفة: لَا يَجِبُ الْغُسْلُ مِنَ الْمَنِيِّ حَتَّى يَخْرُجَ دَافِقًا لِلشَّهْوَةِ وَلَا يَجِبُ إِنْ كَانَ يَسِيرًا أَوْ لِغَيْرِ شَهْوَةٍ إِلْحَاقًا بِالْمَذْيِ، وَهَذَا خَطَأٌ لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ عُمُومِ الْخَبَرَيْنِ، وَلِأَنَّ مَا أَوْجَبَ الِاغْتِسَالَ إِذَا كَانَ لِشَهْوَةٍ، أَوْجَبَهُ إِذَا كَانَ لِغَيْرِ شَهْوَةٍ، كَالْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ، وَلِأَنَّهُ إِنْزَالُ مَنِيٍّ فَأَوْجَبَ الِاغْتِسَالَ كَالِاحْتِلَامِ.
وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَقَدْ رَوَى الشَّافِعِيُّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ زَيْنَبَ ابْنَةِ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ قَالَتْ: " يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِ مِنَ الْحَقِّ هَلْ عَلَى الْمَرْأَةِ غسلٌ إِذَا هِيَ احْتَلَمَتْ "؟ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " نعم إذا رأت الماء ".
(فصل: إيجاب الغسل بظهور المني)
: فَإِذَا ثَبَتَ وُجُوبُ الْغُسْلِ مِنْ إِنْزَالِ الْمَنِيِّ فَإِنَّهُ يُوجِبُ الْغُسْلَ إِذَا أَنْزَلَهُ الرَّجُلُ مِنْ ذَكَرِهِ وَظَهَرَ، أَوْ خَرَجَ مِنْ فَرْجِ الْمَرْأَةِ فإذا انْحَدَرَ مِنَ الصُّلْبِ إِلَى إِحْلِيلِ الذَّكَرِ وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ فَلَا غُسْلَ، وَلَوْ أَنْزَلَتِ الْمَرْأَةُ المني إلى فرجها ولم يخرج منه نُظِرَ فَإِنْ كَانَتْ بِكْرًا لَا يَلْزَمُهَا تَطْهِيرُ داخل فرجها لَمْ يَلْزَمْهَا الْغُسْلُ حَتَّى يَنْزِلَ الْمَنِيُّ مِنْ فَرْجِهَا، لِأَنَّ دَاخِلَ فَرْجِهَا فِي حُكْمِ الْبَاطِنِ فجرى مجرى داخل الذكر، فإن كَانَتْ ثَيِّبًا وَجَبَ الْغُسْلُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهَا تَطْهِيرُ دَاخِلِهِ فِي الِاسْتِنْجَاءِ فَجَرَى مَجْرَى الْعُضْوِ الظَّاهِرِ.
(فَصْلٌ)
: فَلَوِ انْكَسَرَ صُلْبُ رَجُلٍ فَخَرَجَ منه المني، فلم يَنْزِلْ مِنَ الذَّكَرِ، فَفِي وُجُوبِ الْغُسْلِ مِنْهُ وَجْهَانِ مِنِ اخْتِلَافِ قَوْلِهِ " فِي وُجُوبِ الْوُضُوءِ " فِيمَا خَرَجَ مِنْ سَبِيلٍ مُسْتَحْدَثٍ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ لَكِنْ لَوْ كَانَ الْخَارِجُ لَمْ يَصِرْ مَنِيًّا مُسْتَحْكِمًا فَلَا غُسْلَ، فِيهِ وَجْهًا وَاحِدًا، فَأَمَّا إِذَا اسْتَيْقَظَ النَّائِمُ فَرَأَى إِنْزَالَ الْمَنِيِّ عَنْ غَيْرِ أَنْ يُحِسَّ بِهِ فِي نَوْمِهِ، فَالْغُسْلُ مِنْهُ وَاجِبٌ، وَلَوْ أَحَسَّ فِي النَّوْمِ بِالْإِنْزَالِ وَلَمْ يَرَ بَعْدَ اسْتِيقَاظِهِ شَيْئًا، فَلَا غُسْلَ عَلَيْهِ، وَذَاكَ مِنْ حَدِيثِ النَّفْسِ، فَقَدْ رَوَى عُبَيْدُ اللَّهِ عَنِ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: " سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَنِ الرَّجُلِ يَجِدُ الْبَلَلَ وَلَا يَذْكُرُ الِاحْتِلَامَ فَقَالَ: " يَغْتَسِلُ ". وَعَنِ الرَّجُلِ يَرَى أَنْ قَدِ احْتَلَمَ وَلَا يَجِدُ الْبَلَلَ قَالَ: " لَا غُسْلَ عَلَيْهِ ". فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ الْمَرْأَةُ تَرَى ذَلِكَ قَالَ: " نَعَمِ النِّسَاءُ شَقَائِقُ الرِّجَالِ " ذَكَرَهُ أَبُو دَاوُدَ.
فَلَوْ رَأَى الرَّجُلُ الْمَنِيَّ فِي ثَوْبٍ هُوَ لَابِسُهُ وَلَمْ يُحِسَّ مِنْ نَفْسِهِ الْإِنْزَالَ فِيهِ، فَلَا يَخْلُو