قال الشافعي رحمه الله تعالى: " لا يَبْتَاعُ الَّذِي يَشْتَرِي الْعَرِيَّةَ بِالتَّمْرِ إِلَا بِأَنْ يَخْرُصَ الْعَرِيَّةَ كَمَا يَخْرُصُ الْعُشْرَ فَيُقَالُ فِيهَا الْآنَ رُطَبًا كَذَا وَإِذَا يَبِسَ كَانَ كَذَا فَيَدْفَعُ مِنَ التَّمْرِ مَكِيلَةَ خَرْصِهَا تَمْرًا وَيَقْبِضُ النَّخْلَةَ بِتَمْرِهَا قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا فَإِنْ تَفَرَّقَا قَبْلَ دَفْعِهِ فَسَدَ الْبَيْعُ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: اعْلَمْ أَنَّ جَوَازَ الْبَيْعِ فِي الْعَرِيَّةِ مُعْتَبَرٌ بِثَلَاثَةِ شُرُوطٍ:
أَحَدُهَا: الْقَدْرُ الَّذِي لَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ.
وَالثَّانِي: التَّسَاوِي الَّذِي لَا يَجُوزُ الْإِخْلَالُ بِهِ.
وَالثَّالِثُ: التَّقَابُضُ الَّذِي لَا يَجُوزُ الِافْتِرَاقُ دُونَهُ.
فَأَمَّا الشَّرْطُ الْأَوَّلُ وَهُوَ الْقَدْرُ فَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ فِيهِ.
وَأَمَّا الشَّرْطُ الثَّانِي: وَهُوَ التَّسَاوِي فَلِتَحْرِيمِ التَّفَاضُلِ فِيمَا يُدْخِلُهُ الرِّبَا وَالتَّسَاوِي مُعْتَبَرٌ فِي التَّمْرِ بِالْكَيْلِ؛ لِأَنَّ الْكَيْلَ فِيهِ ممكن وفي الرطب الذي على رؤوس النَّخْلِ بِالْخَرْصِ لِأَنَّ كَيْلَهُ مُتَعَذِّرٌ، وَيَجُوزُ فِيهِ خارص واحد بخلاف الزكاة لأن الخرص ها هنا بَدَلٌ مِنَ الْكَيْلِ عِنْدَ تَعَذُّرِهِ فَلَمَّا جَازَ كَيَّالٌ وَاحِدٌ جَازَ خَارِصٌ وَاحِدٌ فَيَأْتِي الْخَارِصُ النَّخْلَةَ فَيَخْرُصُهَا بَعْدَ الْإِحَاطَةِ بِهَا، فَإِذَا بَلَغَتْ قَدْرًا يَكُونُ ثَمَرُهَا خَمْسَةَ أَوْسُقٍ أَوْ أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ عَلَى مَا مَضَى مِنَ الْقَوْلَيْنِ دَفَعَ مِثْلَهُ تَمْرًا كَأَنْ يَقُولُ: خَرْصُهَا رُطَبًا سِتَّةُ أَوْسُقٍ وَإِذَا يَبِسَ تَمْرًا أَرْبَعَةُ أَوْسُقٍ فَيَدْفَعُ إِلَيْهِ بِالْكَيْلِ أَرْبَعَةَ أَوْسُقٍ تَمْرًا، فَإِنْ زَادَ عَلَى الْأَرْبَعَةِ مُدًّا أَوْ نِصْفَ مُدٍّ لَمْ يَجُزْ لِظُهُورِ التَّفَاضُلِ فِيهِ.
وَأَمَّا الشَّرْطُ الثَّالِثُ وَهُوَ التَّقَابُضُ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ فَلِأَنَّ مَا فِيهِ الرِّبَا لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ الْقَبْضِ فيه، فيقبض المشتري الرطب على رؤوس نَخْلِهِ وَيَدْفَعُ التَّمْرَ إِلَى بَايِعِهِ، وَقَدْ تَمَّتِ الْعَرِيَّةُ فِيهِمَا وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْخِيَارُ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا بِأَبْدَانِهِمَا فَإِذَا افْتَرَقَا لَزِمَتِ الْعَرِيَّةُ وَلَا خِيَارَ ثُمَّ لِلْمُشْتَرِي بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يَجْتَنِيَ ثَمَرَةَ نَخْلِهِ حَالًا بَعْدَ حَالٍ عِنْدَ إِدْرَاكِهَا وَقْتَ إِبَّانِهَا وَلَا تَجُوزُ الْعَرِيَّةُ إِلَّا فِيمَا بَدَا صَلَاحُهُ بُسْرًا كَانَ أَوْ رُطَبًا. والله أعلم.
مسألة:
قال الشافعي رحمه الله تعالى: " وبيع صَاحِبُ الْحَائِطِ لِكُلِّ مَنْ أَرْخَصَ لَهُ وَإِنْ أَتَى عَلَى جَمِيعِ حَائِطِهِ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَمَّا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي كِتَابِ الْأُمِّ وَغَيْرِهِ جَوَازُهَا لِلْمُضْطَرِّ الْمُعْسِرِ وَلِلْغَنِيِّ الْمُوسِرِ وَهُمَا فِي إِبَاحَتِهِمَا سَوَاءٌ، وَقَالَ الْمُزَنِيُّ لَا تَجُوزُ الْعَرِيَّةُ إِلَّا لِلْمُضْطَرِّ الْمُعْسِرِ وَقَدْ أَشَارَ إِلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْإِمْلَاءِ وَمِنِ اخْتِلَافِ الْحَدِيثِ لِأَنَّ السَّبَبَ فِي إِبَاحَةِ الْعَرِيَّةِ حَاجَةُ ذَوِي الضَّرُورَاتِ وَكَانَ مَحْمُولًا عَلَى سَبَبِهِ فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا، وَكَانَ بَعْضُهُمْ يُخَرِّجُ ذَلِكَ عَلَى قَوْلَيْنِ، وَامْتَنَعَ جُمْهُورُهُمْ مِنْ تَخْرِيجِ الْقَوْلَيْنِ وَصَرَّحُوا بِجَوَازِهِ لِلْكَافَّةِ قَوْلًا وَاحِدًا تَعْوِيلًا عَلَى غَالِبِ نَصِّهِ وَتَأَوَّلُوا مَا أَشَارَ إِلَيْهِ فِي الْإِمْلَاءِ وَاخْتِلَافُ الْحَدِيثِ عَلَى الْأَخْبَارِ عَنْ سَبَبِهِ اسْتِدْلَالًا بِإِرْخَاصِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي الْعَرِيَّةِ مِنْ غَيْرِ