الحاوي الكبير (صفحة 1980)

بَيْعُ التَّمْرِ بِالرُّطَبِ لَا يَجُوزُ. وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وأبو يوسف ومحمد وَعَامَّةُ الْفُقَهَاءِ وَقَالَ أبو حنيفة يَجُوزُ.

اسْتِدْلَالًا بِأَنَّ التَّمْرَ وَالرُّطَبَ لَيْسَ يَخْلُو حَالُهُمَا مِنْ أَنْ يَكُونَا جِنْسًا وَاحِدًا أَوْ جِنْسَيْنِ. فَإِنْ كَانَا جِنْسًا وَاحِدًا جَازَ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ مُتَسَاوِيًا حَالَ الْعَقْدِ.

وَإِنْ كَانَا جِنْسَيْنِ فَبَيْعُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ أَجْوَزُ.

قَالَ: وَلِأَنَّ الرُّطَبَ نَوْعٌ مِنَ التَّمْرِ يَنْقُصُ بِالْيُبْسِ وَطُولِ الْمُكْثِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مَانِعًا مَنْ بَيْعِهِ بِتَمْرٍ مِنْ جِنْسِهِ هُوَ أَكْثَرُ مِنْ يُبْسِهِ كَمَا جَازَ بَيْعُ التَّمْرِ الْحَدِيثِ بِالتَّمْرِ الْعَتِيقِ وَإِنْ كَانَ الْحَدِيثُ يَنْقُصُ إِذَا صَارَ كَالْعَتِيقِ.

قَالَ: وَلِأَنَّ التَّمَاثُلَ فِي الْجِنْسِ مُعْتَبَرٌ بِحَالِ الْعَقْدِ وَلَا اعْتِبَارَ بِحُدُوثِ التَّفَاضُلِ فِيمَا بَعْدُ كَالسِّمْسِمِ يَجُوزُ بَيْعُهُ بِالسِّمْسِمِ إِذَا تَمَاثَلَا وَإِنْ جَازَ بَعْدَ اسْتِخْرَاجِهِمَا دُهْنًا أَنْ يَتَفَاضَلَا.

قَالَ: وَلِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ عِنْدَكُمْ بَيْعُ الْعَرَايَا وَهِيَ تَمْرٌ بِرُطَبٍ عَلَى رؤوس النَّخْلِ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَمَاثُلِهِمَا كَيْلًا إِلَّا بِالْخَرْصِ كَانَ بَيْعُ التَّمْرِ بِالرُّطَبِ الْمَقْدُورِ عَلَى تَمَاثُلِهِمَا بِالْكَيْلِ أَجْوَزُ وَهُوَ مِنَ الرِّبَا أَبْعَدُ.

وَالدَّلَالَةُ عَلَى مَا قُلْنَا رِوَايَةُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - نَهَى عَنْ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ كَيْلًا وَعَنْ بَيْعِ الْعِنَبِ بِالزَّيْتِ كَيْلًا، وَعَنْ بَيْعِ الزَّرْعِ بِالْحِنْطَةِ كَيْلًا. وَهَذَا نَصٌّ.

فَإِنْ قِيلَ: إِنَّمَا خَصَّ بِالنَّهْيِ التَّمْرَ بِالرُّطَبِ إِذَا كَانَ عَلَى رؤوس النَّخْلِ لِأَنَّهُ وَارِدٌ فِي الْمُزَابَنَةِ. قِيلَ: هَذَا تَأْوِيلٌ يَفْسَدُ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ تَخْصِيصُ عُمُومٍ بِدَعْوَى.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ نَهَى عَنْ ذَلِكَ بالكيل وكيل ما على رؤوس النَّخْلِ غَيْرُ مُمْكِنٍ، فَعُلِمَ أَنَّ النَّهْيَ وَارِدٌ فِيمَا الْكَيْلُ فِيهِ مُمْكِنٌ.

وَرَوَى بَشِيرُ بْنُ يَسَارٍ عَنْ سَهْلُ بْنُ أَبِي حَثْمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - نَهَى عَنْ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ إِلَّا أَنَّهُ رَخَّصَ فِي الْعَرَايَا أَنْ تُبَاعَ بِخَرْصِهَا تَمْرًا يَأْكُلُهَا أَهْلُهَا رُطَبًا. فَإِنْ قِيلَ: فَيَحْصُلُ النَّهْيُ عَنْ بَيْعِ ذَلِكَ بِالْخَرْصِ لِأَنَّهُ اسْتَثْنَى الْعَرَايَا مِنْهَا بِالْخَرْصِ.

قِيلَ: النَّهْيُ إِذَا كَانَ عَامًّا لَا يَجُوزُ أَنْ يَصِيرَ مَخْصُوصًا بِالِاسْتِثْنَاءِ إِذَا كان خاصا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015