وَالثَّانِي: وَهُوَ جَوَابُ الْبَصْرِيِّينَ أَنَّ ذَلِكَ دَاخِلٌ فِي جُمْلَةِ الشَّرْطِ الثَّانِي وَهُوَ أَنْ لَا يَعْقِدَاهُ بِأَمْرٍ مَنْهِيٍّ عَنْهُ، لِأَنَّ عَقْدَ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، فَلَمْ يَحْتَجْ أَنْ يَجْعَلَهُ شَرْطًا خَامِسًا. وَهَذَا أَصَحُّ الْجَوَابَيْنِ، لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ قَدْ ذَكَرَ فِي الشَّرْطِ الْأَوَّلِ أَنْ يَعْقِدَاهُ عَنْ تَرَاضٍ، وَهَذَا شَرْطٌ فِي الْبَائِعِ دُونَ الْبَيْعِ. فَهَذِهِ شُرُوطُ الْعَقْدِ.
فَأَمَّا شُرُوطُ الرَّدِّ وَمَا يَكُونُ بِهِ الْفَسْخُ فَأَرْبَعَةٌ أَيْضًا:
أَحَدُهَا: الْخِيَارُ الْمَوْضُوعُ لِلْفَسْخِ، وَهُوَ أَحَدُ خِيَارَيْنِ: إِمَّا خِيَارُ الْمَجْلِسِ أَوْ خِيَارُ الثَّلَاثِ.
وَالثَّانِي: وُجُودُ الْعَيْبِ بِالْمَبِيعِ، فَيَسْتَحِقُّ بِهِ خِيَارُ الْفَسْخِ.
وَالثَّالِثُ: شَرْطٌ يَشْتَرِطُهُ فِي الْعَقْدِ فَيَعْقِدُهُ، مِثْلُ أَنْ يُشْتَرَطَ فِي الْعَقْدِ رَهْنًا فِي الثَّمَنِ بِهِ أَوْ كَفِيلًا بِهِ، فَيَمْتَنِعُ الْمُشْتَرِي مِنْ دَفْعِ الرَّهْنَ فِيهِ أَوِ الْكَفِيلِ بِهِ، فَيَكُونُ لِلْبَائِعِ الْفَسْخُ، أَوْ يَشْتَرِطُ الْمُشْتَرِي فِي ابْتِيَاعِ الْعَبْدِ أَنَّهُ ذُو صَنْعَةٍ، فَيَجِدُهُ لَا يُحْسِنُهَا فَيَكُونُ لِلْمُشْتَرِي الْفَسْخُ.
وَالرَّابِعُ: الرُّؤْيَةُ فِي بَيْعِ الْعَيْنِ الْغَائِبَةِ عَلَى خِيَارِ الرُّؤْيَةِ، إِذَا قِيلَ بِجَوَازِهِ، فَيَسْتَحِقُّ بِهِ الْفَسْخَ عَلَى مَا سَيَأْتِي. فَهَذِهِ شُرُوطُ الرَّدِّ مَعَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ شُرُوطِ العقد.
قال الشافعي رحمه الله تعالى: " فَإِذَا عَقَدَا بَيْعًا مِمَّا يَجُوزُ وَافْتَرَقَا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا بِهِ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ مِنْهُمَا رده إلا بعيب أو بشرط خيار (قال المزني) وقد أجاز في الإملاء وفي كتاب الجديد والقديم وفي الصداق وفي الصلح خيار الرؤية وهذا كله غير جائز في معناه (قال المزني) وهذا بنفي خيار الرؤية أولى به إذ أَصْلُ قَوْلِهِ وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْبَيْعَ بَيْعَانِ لَا ثالث لهما صفة مضمونة وعين معروفة وأنه يبطل بيع الثوب لم ير بعضه لجهله به فكيف يجيز شراء مَا لَمْ يَرَ شَيْئًا مِنْهُ قَطُّ وَلَا يَدْرِي أَنَّهُ ثَوْبٌ أَمْ لَا حَتَّى يُجْعَلَ له خيار الرؤية ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: هَذَا كَمَا قَالَ: الْبُيُوعُ نَوْعَانِ: بَيْعُ رَقَبَةٍ، وَبَيْعُ مَنْفَعَةٍ:
فَأَمَّا بَيْعُ الْمَنَافِعِ فَهُوَ الْإِجَارَاتُ، وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ: إِنَّهَا صِنْفٌ من البيوع، ولها كتاب:
وَأَمَّا بَيْعُ الرِّقَابِ، فَضَرْبَانِ:
بُيُوعُ أَعْيَانٍ، وَبُيُوعُ صِفَاتٍ. فَأَمَّا بُيُوعُ الصِّفَاتِ: فَالسَّلَمُ، وَلَهُ بَابٌ. وَأَمَّا بُيُوعُ الْأَعْيَانِ، فَضَرْبَانِ: عَيْنٌ حَاضِرَةٌ، وَعَيْنٌ غَائِبَةٌ. فَأَمَّا الْعَيْنُ الْحَاضِرَةُ، فَبَيْعُهَا جَائِزٌ. وَأَمَّا الْعَيْنُ الْغَائِبَةُ فَعَلَى ضَرْبَيْنِ: مَوْصُوفَةٌ، وَغَيْرُ مَوْصُوفَةٍ: فَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَوْصُوفَةٍ، فَبَيْعُهَا بَاطِلٌ. وَإِنْ كَانَتْ مَوْصُوفَةً فَفِي جَوَازِ بَيْعِهَا قَوْلَانِ: وَقَالَ أبو حنيفة: يَجُوزُ بَيْعُ الْعَيْنِ الْغَائِبَةِ مَوْصُوفَةً كَانَتْ أَوْ غَيْرَ مَوْصُوفَةٍ. وَقَالَ مَالِكٌ: يَجُوزُ بَيْعُهَا مَوْصُوفَةً، وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهَا غَيْرَ مَوْصُوفَةٍ.