وَحَقِيقَتُهُ فِي الشَّرْعِ: نَقَلُ مِلْكٍ بِعِوَضٍ عَلَى الْوَجْهِ الْمَأْذُونِ فِيهِ.
وَإِنَّمَا قُلْنَا: نَقْلُ مِلْكٍ، احْتِرَازًا مِمَّا لَا يُمْلَكُ، وَمِمَّنْ لَا يَمْلِكُ.
وَقُلْنَا: بِعِوَضٍ احْتِرَازًا مِنَ الْهِبَاتِ، وَمِمَّا لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عِوَضًا.
وَقُلْنَا: عَلَى الْوَجْهِ الْمَأْذُونِ فِيهِ، احْتِرَازًا مِنَ الْبُيُوعِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا كالملامسة والمنابذة.
أفضل المكاسب
وإذا كان ذلك حقيقة البيوع الجائز فِي الشَّرْعِ.
فَقَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ: هَلِ الْبُيُوعُ الجائزة من أجل المكاسب وأطيبها؟
أو غَيْرَهَا مِنَ الْمَكَاسِبِ أَجَلُّ مِنْهَا؟
فَقَالَ قَوْمٌ: الزِّرَاعَاتُ أَجَلُّ الْمَكَاسِبِ كُلِّهَا، وَأَطْيَبُ مِنَ الْبُيُوعِ وَغَيْرِهَا، لِأَنَّ الْإِنْسَانَ فِي الِاكْتِسَابِ بِهَا أَحْسَنُ تَوَكُّلًا، وَأَقْوَى إِخْلَاصًا، وَأَكْثَرُ لِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى تَفْوِيضًا وَتَسْلِيمًا.
وَقَالَ آخَرُونَ: إنَّ الصِّنَاعَاتِ أَجَلُّ كَسْبًا مِنْهَا وَأَطْيَبُ مِنَ الْبُيُوعِ وَغَيْرِهَا، لِأَنَّهَا اكْتِسَابٌ تُنَالُ بِكَدِّ الْجِسْمِ وَإِتْعَابِ النَّفْسِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعَبْدَ الْمُحْتَرِفَ " فَظَاهِرُ الِاحْتِرَافِ بِالنَّفْسِ دُونَ الْمَالِ.
وَقَالَ آخَرُونَ: الْبِيَاعَاتُ أَجَلُّ الْمَكَاسِبِ كُلِّهَا، وَأَطْيَبُ مِنَ الزِّرَاعَاتِ وَغَيْرِهَا، وَهُوَ أَشْبَهُ بِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَالْعِرَاقِيِّينَ، حَتَّى أَنَّ محمد بن الحسن قِيلَ لَهُ: هَلَّا صَنَعْتَ كِتَابًا فِي الزُّهْدِ، قَالَ: قَدْ فَعَلْتُ، قِيلَ: فَمَا ذَلِكَ الْكِتَابُ؟ قَالَ: هُوَ كِتَابُ الْبُيُوعِ. وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْبُيُوعَ أَجَلُّ الْمَكَاسِبِ كُلِّهَا إِذَا وَقَعَتْ عَلَى الْوَجْهِ الْمَأْذُونِ فِيهِ: أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ صَرَّحَ فِي كِتَابِهِ بإحلالها، فقال: {وأحل الله البيع} وَلَمْ يُصَرِّحْ بِإِحْلَالِ غَيْرِهَا، وَلَا ذَكَرَ جَوَازَهَا وَإِبَاحَتَهَا.
وَرَوَتْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أَطْيَبُ مَا أَكَلَ الرَّجُلُ مِنْ كَسْبِهِ " وَالْكَسْبُ فِي كِتَابِ اللَّهِ التِّجَارَةُ. وَرَوَى رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الْعَمَلِ أَطْيَبُ؟ فَقَالَ: " عَمَلُ الرَّجُلِ بِيَدِهِ وَكُلُّ بَيْعٍ مَبْرُورٍ ".