الحاوي الكبير (صفحة 1827)

قِيلَ: ظَاهِرُ الْآيَةِ لَا يَدُلُّ إِلَّا عَلَى الْهَدْيِ، فَأَمَّا التَّحَلُّلُ فَغَيْرُ مَذْكُورٍ، وَإِنَّمَا هُوَ مُضْمَرٌ فِيهِ، فَلَا يُدَّعِي فِيهِ الْعُمُومُ، وَالْإِضْمَارُ لَا يُوصَلُ إِلَى تَعْيِينِهِ إِلَّا بِدَلِيلٍ، ثُمَّ لو كان العموم بتناولهما جَمِيعًا، لَكَانَ الْمُرَادُ بِالْآيَةِ الْإِحْصَارَ بِالْعَدُوِّ دُونَ المرض من وجهين:

أحدهما: قوله في أثناء الآية: {وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الهَدْيَ مَحِلَّهُُ} (البقرة: 196) ، فَمَنَعَ تَوْجِيهَ الْخِطَابِ إِلَيْهِ أَنْ يَحْلِقَ رَأْسَهُ حَتَّى يَنْحَرَ، وَهَذَا فِي الْمُحْصَرِ بِالْعَدُوِّ، وَلِأَنَّ الْمُحْصَرَ بِالْمَرَضِ يَجُوزُ أَنْ يَحْلِقَ قَبْلَ أَنْ يَنْحَرَ.

وَالثَّانِي: قَوْلُهُ فِيهَا: {فَإِذَا أَمِنْتُمْ) {البقرة: 196) وَالْأَمْنُ إِنَّمَا يَكُونُ عَنْ خَوْفٍ، فَأَمَّا عَنْ مَرَضٍ فَإِنَّمَا يُقَالُ: بُرْءٌ، فَثَبَتَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا إِحْصَارُ الْعَدُوِّ دُونَ الْمَرَضِ، فَأَمَّا قَوْلُهُ: " مَنْ كُسِرَ أَوْ عُرِجَ فَقَدْ حَلَّ ". قُلْنَا: مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ شَرَطَ التَّحَلُّلَ.

فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ أَضْمَرْتُمْ فِي الْخَبَرِ شَرْطًا غَيْرَ مَذْكُورٍ مَعَ إِمْكَانِ حَمْلِ اللَّفْظِ عَلَى ظَاهِرِهِ.

قِيلَ: لَا بُدَّ مِنْ إِضْمَارٍ فِي الْخَبَرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَحَلَّلُ بِنَفْسِ الْكَسْرِ وَالْعَرَجِ، فَلَمْ يُمْكِنْ حَمْلُ اللَّفْظِ عَلَى ظَاهِرِهِ. وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى الْمُحْصَرِ بِالْعَدُوِّ، بعلة أنه مصدود عن البيت فغير سليم؛ لِأَنَّ الْمَرِيضَ غَيْرُ مَصْدُودٍ عَنِ الْبَيْتِ؛ لِأَنَّهُ لم يحمل المشقة لموصل إِلَيْهِ، ثُمَّ الْمَعْنَى فِي الْإِحْصَارِ بِالْعَدُوِّ، أَنَّهُ يَسْتَفِيدُ بِالتَّحَلُّلِ التَّخَلُّصَ مِنَ الْأَذَى الَّذِي هُوَ فِيهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمَرِيضُ

وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى الْجِهَادِ، فَالْجِهَادُ قِتَالٌ، وَالْمَرِيضُ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، فَجَازَ لَهُ الْخُرُوجُ مِنْهُ، وَالْحَجُّ سَيْرٌ، وَالْمَرِيضُ يُمْكِنُهُ السَّيْرُ إِذَا كَانَ رَاكِبًا، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ الْخُرُوجُ مِنْهُ.

وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إِنَّ الْمَرِيضَ أَسْوَأُ حَالًا، فَقَدْ تَقَدَّمَ الْجَوَابُ عَنْهُ.

فَصْلٌ

: فَأَمَّا إِذَا شَرَطَ مَعَ الْإِحْرَامِ الْإِحْلَالَ بِالْمَرَضِ، وهو أن يقول في إحرامه: إن حبستني مرض، أو انقطعت في نَفَقَةٌ، أَوْ عَاقَنِي عَائِقٌ مِنْ ضَلَالِ طَرِيقٍ أو خطأٍ في عدو، تَحَلَّلَتْ، فَقَدْ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ إِلَى انعقاد هذا الشرط، وجواز الإحلال به، كحديث ضُبَاعَةَ بِنْتِ الزُّبَيْرِ وَعَلَّقَ الْقَوْلَ فِي الْجَدِيدِ عَلَى صِحَّةِ حَدِيثِ ضُبَاعَةَ؛ لِأَنَّهُ رَوَاهُ مُرْسَلًا، وَرَوَاهُ مُسْنَدًا، وَرَوَى مِثْلَهُ مَوْقُوفًا، فَأَمَّا الْمُرْسَلُ فَهُوَ مَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مَرَّ بِضُبَاعَةَ بِنْتِ الزُّبَيْرِ، فَقَالَ لَهَا: أَتُرِيدِينَ الْحَجَّ، فَقَالَتْ: إِنِّي شَاكِيَةٌ، فَقَالَ: حُجِّي وَاشْتَرِطِي أَنَّ مَحِلِّي حَيْثُ حَبَسْتَنِي، وَأَمَّا الْمُسْنَدُ فَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَرْثِ عَنِ ابن جريج عن أبي الزُّبَيْرِ عَنْ طَاوُسٍ وَعِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015