قال الماوردي: هذا صحيح، كَانَ مَضْمُونًا مِنَ الطَّائِرِ فِي الْحَرَمِ فَهُوَ مَضْمُونٌ فِي الْحِلِّ إِذَا قَتَلَهُ الْمُحْرِمُ، وَالضَّمَانُ فِي الْحَالَيْنِ سَوَاءٌ، فَإِنْ أَصَابَ الْمُحْرِمُ فِي الْحِلِّ حَمَامَةً فَعَلَيْهِ شَاةٌ، وَإِنْ أَصَابَ دُونَ الْحَمَامِ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ، وَإِنْ أَصَابَ فَوْقَ الْحَمَامِ فَعَلَى قَوْلَيْنِ:
وَقَالَ مَالِكٌ: حَمَامُ الْحَرَمِ مَضْمُونٌ بِشَاةٍ، وَحَمَامُ الْحِلِّ مَضْمُونٌ عَلَى الْمُحْرِمِ بِقِيمَتِهِ.
وَالدَّلَالَةُ عَلَيْهِ: مَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: فِي حَمَامِ الْحِلِّ شاةٌ، وَلَا مُخَالِفَ لَهُ؛ وَلِأَنَّ مَا كَانَ مَضْمُونًا فِي الْحَرَمِ بِالْجَزَاءِ فَهُوَ مَضْمُونٌ فِي الْحِلِّ عَلَى الْمُحْرِمِ بِمِثْلِ ذَلِكَ الْجَزَاءِ، كَالصَّيْدِ مِنَ الدَّوَابِّ، وَلِأَنَّهَا حَمَامَةٌ مَضْمُونَةٌ بِالْجَزَاءِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْجَزَاءُ فِيهَا شَاةً كَحَمَامَةِ مَكَّةَ.
: قَالَ الشافعي: رضي الله عنه: " وَقَالَ عُمَرُ لِكَعْبٍ فِي جَرَادَتَيْنِ مَا جَعَلْتَ فِي نَفْسِكَ قَالَ دِرْهَمَيْنِ قَالَ بخٍ دِرْهَمَانِ خيرٌ مِنْ مِائَةِ جرادةٍِ افْعَلْ مَا جَعَلْتَ فِي نَفْسِكَ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ فِي جَرَادَةٍ تَمْرَةٌ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي جرادةٍ تَصَدَّقْ بِقَبْضَةِ طعامٍ وَلْيَأْخُذَنَّ بِقَبْضَةِ جراداتٍ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُمَا رَأَيَا فِي ذَلِكَ الْقِيمَةَ فَأَمَرَا بِالِاحْتِيَاطِ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ، الْجَرَادُ مِنْ صَيْدِ الْبَرِّ حَرَامٌ عَلَى الْمُحْرِمِ، وَهُوَ مَضْمُونٌ بِالْجَزَاءِ.
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: هُوَ مِنْ صَيْدِ البحر من بئر جوث، وَلَا جَزَاءَ فِيهِ، وَبِهِ قَالَ مِنَ الصَّحَابَةِ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ، وَمِنَ التَّابِعَيْنِ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ.
وَمِنَ الْفُقَهَاءِ دَاوُدُ بْنُ عَلِيٍّ الظَّاهِرِيُّ اسْتِدْلَالًا بِرِوَايَةِ أَبِي الْمُهَزَّمِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةُ قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ فَلَقِينَا رِجْلًا مِنْ جَرَادٍ فَجَعَلْنَا نَقْتُلُهُمْ بِسِيَاطِنَا وَعِصِيِّنَا فَأُسْقِطَ فِي أَيْدِينَا، وَقُلْنَا: مَا صَنَعْنَا وَنَحْنُ مُحْرِمُونَ، فَسَأَلْنَا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ: " لَا بَأْسَ صَيْدُ الْبَحْرِ " فَلَمَّا جَعَلَهُ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مِنْ صَيْدِ الْبَحْرِ عُلِمَ أَنَّهُ لَا جَزَاءَ فِيهِ، كَمَا لَا جَزَاءَ فِي صَيْدِ الْبَحْرِ؛ ولأن الجراد كصيد البحر في أنه مأكول مَيِّتًا فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ كَصَيْدِ الْبَحْرِ فِي أَنَّهُ غَيْرُ مَضْمُونٍ بِالْجَزَاءِ.
وَالدَّلَالَةُ عَلَيْهِمْ: رِوَايَةُ أَبِي أُمَامَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِنَّ مَرْيَمَ بِنْتَ عِمْرَانَ سَأَلَتْ رَبَّهَا أَنْ يُطْعِمَهَا لَحْمًا لَا دَمَ فِيهِ، فَأَطْعَمَهَا الْجَرَادَ، فَقَالَتِ: اللَّهُمَّ أَعِشْهُ بِغَيْرِ رضاعٍ، وَتَابِعْ بيته بغير شياعٍ.