وَأَمَّا جَمْعُهُمْ بَيْنَ الْجَزَاءِ وَبَيْنَ سَائِرِ الدِّمَاءِ فَالْمَعْنَى فِي سَائِرِ الدِّمَاءِ: لِأَنَّهَا لَا تَخْتَلِفُ صِغَرًا وَكِبَرًا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْجَزَاءُ.
: فَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْمُشْتَرِكِينَ فِي قَتْلِ الصَّيْدِ عَلَيْهِمْ جَزَاءٌ وَاحِدٌ، فَإِنِ اشْتَرَكَ مُحِلٌّ وَمُحْرِمٌ فِي قَتْلِ صَيْدٍ فِي الْحِلِّ فَعَلَى الْمُحْرِمِ نِصْفُ الْجَزَاءِ، وَيُهْدَرُ نِصْفُ الْجَزَاءِ؛ لِأَنَّ الْمُحِلَّ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْجَزَاءِ، قَالَهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ نصاً، وكذلك لو اشترك محرم وحالان فِي قَتْلِ صَيْدٍ فِي الْحِلِّ؛ كَانَ عَلَى الْمُحْرِمِ ثُلْثُ الْجَزَاءِ وَسَقَطَ الثُّلْثَانِ، وَلَوِ اشْتَرَكَ مُحْرِمَانِ وَحَلَالٌ كَانَ عَلَى الْمُحْرِمَيْنِ ثُلْثَا الْجَزَاءِ وَسَقَطَ الثُّلُثُ، فَلَوْ جَرَحَ مُحِلٌّ صَيْدًا فِي الْحِلِّ، ثُمَّ تَحَامَلَ الصَّيْدُ مَجْرُوحًا فَدَخَلَ الْحَرَمَ فَعَادَ الْمُحِلُّ فَجَرَحَهُ ثَانِيَةً فِي الْحَرَمِ، ثُمَّ مَاتَ الصَّيْدُ؛ كَانَ عَلَيْهِ نِصْفُ الْجَزَاءِ، لِأَنَّهُ مات من جراحتين: أحدهما: غَيْرُ مَضْمُونَةٍ، كَمَنْ جَرَحَ مُرْتَدًّا فَأَسْلَمَ الْمُرْتَدُّ، فَعَادَ الْجَارِحُ فَجَرَحَهُ بَعْدَ إِسْلَامِهِ أُخْرَى فَمَاتَ؛ كَانَ ضَامِنًا لِنِصْفِ دِيَتِهِ، وَلَوْ أَنَّ مُحِلًّا جَرَحَ صَيْدًا فِي الْحَرَمِ ثُمَّ تَحَامَلَ الصَّيْدُ فَخَرَجَ إِلَى الْحِلِّ، فَعَادَ الْجَارِحُ فَجَرَحَهُ جِرَاحَةً ثَانِيَةً فِي الْحِلِّ فَمَاتَ الصَّيْدُ، فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَجْرَحَهُ الْجِرَاحَةَ الثَّانِيَةَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ لَهُ عَلَيْهِ يَدٌ فَيَلْزَمُهُ نِصْفُ الْجَزَاءِ، لِأَنَّهُ مَوَّتَهُ مِنْ جُرْحَيْنِ: أَحَدُهُمَا مُبَاحٌ وَالْآخَرُ مَضْمُونٌ، فَصَارَ كَمَنْ جَرَحَ مُرْتَدًّا فَأَسْلَمَ، ثُمَّ جَرَحَهُ ثَانِيَةً بَعْدَ إِسْلَامِهِ؛ ضَمِنَ نصف ديته.
والضرب الثاني: أن يثبت لَهُ عَلَيْهِ يَدٌ عِنْدَ الْجِرَاحَةِ الثَّانِيَةِ؛ فَيَكُونَ ضَامِنًا لِجَمِيعِ الْجَزَاءِ لِعُدْوَانِ يَدِهِ الْمُوجِبَةِ لِضَمَانِهِ.
فَصْلٌ
: إِذَا قَتَلَ الْمُحْرِمُ صَيْدًا بَعْضُهُ فِي الْحِلِّ وَبَعْضُهُ فِي الْحَرَمِ، فَفِيهِ لِأَصْحَابِنَا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ:
أَحَدُهَا: لَا جَزَاءَ فِيهِ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْحَرَمِ لَمْ تَكْمُلْ لَهُ.
وَالثَّانِي: إِنْ كَانَ أَكْثَرُ الصَّيْدِ فِي الْحَرَمِ؛ فَفِيهِ الْجَزَاءُ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرُهُ فِي الْحِلِّ؛ فَلَا جَزَاءَ عَلَيْهِ فِيهِ اعْتِبَارًا بِالْأَغْلَبِ مِنْهُ.
وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: إِنْ كَانَ الصَّيْدُ خَارِجًا مِنَ الْحَرَمِ إِلَى الْحِلِّ، ففيه الجزاء لأن حرمة الحرم ثابتة له ما لم تفارقه، فإن كان داخلاً من الحل إلى الحرم؛ فلا جزاء فيه، لأن حكم الحل جاز عَلَيْهِ مَا لَمْ يُفَارِقْهُ.
فَصْلٌ
: إِذَا رَمَى الْمُحِلُّ سَهْمًا مِنَ الْحِلِّ عَلَى صَيْدٍ فِي الْحَرَمِ فَقَتَلَهُ؛ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ، لِأَنَّهُ قَاتِلُ الصَّيْدِ فِي الْحَرَمِ، وَلَوْ رَمَى الْمُحِلُّ سَهْمًا مِنَ الْحَرَمِ عَلَى صَيْدٍ فِي الْحِلِّ وَبَيْنَ الْحِلَّيْنِ حَرَمٌ فَاعْتَرَضَ السَّهْمُ الْحَرَمَ وَخَرَجَ مِنْهُ إِلَى الْحِلِّ وَقَتَلَ الصَّيْدَ، فَقَدْ عَلَّقَ الشَّافِعِيُّ الْقَوْلَ فِيهِ، فَخَرَّجَهُ أَصْحَابُنَا عَلَى قَوْلَيْنِ: