وَبِرِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " هَلْ ضَرَبْتُمْ أَوْ أَعَنْتُمْ أَوْ أَشَرْتُمْ، قَالُوا: لَا قَالَ: فَكُلُوا "، فَجَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَيْنَ الضَّرْبِ وَبَيْنَ الْإِشَارَةِ فِي الِاسْتِفْهَامِ وَأَبَاحَ الأكل بعدهما فَدَلَّ عَلَى اشْتِرَاكِهِمَا فِي الْحُكْمِ، ثُمَّ كَانَ الضَّرْبُ مُوجِبًا لِلْجَزَاءِ، فَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ الْإِشَارَةُ بالدلالة موجبةً للجزاء؛ ولأن الدلالة كسب أَفْضَى إِلَى قَتْلِ الصَّيْدِ فَوَجَبَ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِ ضَمَانُ الصَّيْدِ كَالشَّبَكَةِ إِذَا طَرَحَهَا، وَالْأُحْبُولَةِ إذا نصبها؛ ولأنه تسبب، فحرم بِهِ أَكْلُ الصَّيْدِ بِحُرْمَةِ الْإِحْرَامِ، فَوَجَبَ أَنْ يُلْزَمَ بِهِ الضَّمَانُ كَالْقَتْلِ؛ وَلِأَنَّ الصَّيْدَ قَدْ يُضْمَنُ بِالتَّسَبُّبِ كَمَا يُضْمَنُ بِالْمُبَاشَرَةِ؛ لِأَنَّ حَافِرَ الْبِئْرِ يَضْمَنُ مَا وَقَعَ فِيهَا مِنْ صَيْدٍ، كَمَا يُضْمَنُ بِالْمُبَاشَرَةِ، وَإِذَا اسْتَوَى التَسَبُّبُ وَالْمُبَاشَرَةُ فِي وُجُوبِ الضَّمَانِ وَجَبَ أَنْ تَسْتَوِيَ الدَّلَالَةُ وَالْقَتْلُ فِي وُجُوبِ الضَّمَانِ؛ لِأَنَّ الدَّلَالَةَ سَبَبٌ وَالْقَتْلَ مباشرةٌ.
وَالدَّلَالَةُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: {فَجَزَاء مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} ، فَعَلَّقَ الْجَزَاءَ بِالْقَتْلِ، فَاقْتَضَى أَلَّا يَجِبَ الْجَزَاءُ بِعَدَمِ الْقَتْلِ؛ وَلِأَنَّهَا نَفْسٌ مَضْمُونَةٌ بِالْجِنَايَةِ فَوَجَبَ أَلَّا تُضْمَنَ بِالدَّلَالَةِ كَالْآدَمِيِّ، وَلِأَنَّهُ صَيْدٌ تَوَالَى عَنْهُ جِنَايَةٌ وَدَلَالَةٌ، فَوَجَبَ أَنْ يُضْمَنَ بِالْجِنَايَةِ وَلَا يُضْمَنَ بِالدَّلَالَةِ كَصَيْدِ الْمُحْرِمِ؛ وَلِأَنَّ الصَّيْدَ قَدْ يَجْتَمِعُ فِيهِ حَقَّانِ: حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ الْجَزَاءُ، وَحَقُّ الْآدَمِيِّ وَهُوَ الْقِيمَةُ إِذَا كَانَ مَمْلُوكًا، فَلَمَّا لَمْ يَجِبْ حَقُّ الْآدَمِيِّ بِالدَّلَالَةِ فَكَذَلِكَ لَا يَجِبُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى بِالدَّلَالَةِ؛ وَلِأَنَّ الصَّيْدَ لَا يُضْمَنُ إِلَّا بِأَحَدِ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: إِمَّا بِالْيَدِ أَوْ بِالْمُبَاشَرَةِ أَوْ بِالتَّسَبُّبِ، فَالْيَدُ أَنْ يَأْخُذَ صَيْدًا فَيَمُوتَ فِي يَدِهِ فَيَضْمَنَ، وَالْمُبَاشَرَةُ أَنْ يُبَاشِرَ قَتْلَهُ فَيَضْمَنَهُ، وَالتَّسَبُّبُ أَنْ يَحْفِرَ بِئْرًا فَيَقَعَ فِيهَا الصَّيْدُ فيضمن.
وَالدَّلَالَةُ لَيْسَتْ يَدًا وَلَا مُبَاشَرَةً وَلَا سَبَبًا؛ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ سَبَبًا يَجِبُ بِهَا الضَّمَانُ، لَوَجَبَ إِذَا انْفَرَدَتْ أَنْ تَكُونَ سَبَبًا يَجِبُ الضَّمَانُ، فَوَجَبَ أَلَّا يَتَعَلَّقَ بِالدَّلَالَةِ ضَمَانٌ، فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ: " الدَّالُّ عَلَى الْخَيْرِ كَفَاعِلِهِ " فهو أن المقصود بهذا الحديث الخبر وَالْإِرْشَادُ إِلَيْهِ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُسْتَدَلَّ بِهِ فِي غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ، وَلَوِ اعْتَمَدَ عَلَى ظَاهِرِ لَفْظِهِ لَمْ يَصِحَّ الِاسْتِدْلَالُ بِهِ مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ جَعَلَ الدَّالَّ عَلَى الْخَيْرِ كَفَاعِلِهِ، وَلَيْسَتِ الدَّلَالَةُ عَلَى الصَّيْدِ خَيْرًا، فَوَجَبَ أَنْ لَا يَكُونَ كَفَاعِلِهِ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَمَّا شَبَّهَ الدَّالَّ بِالْفَاعِلِ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِفَاعِلٍ، فَوَجَبَ أَنْ لَا يَتَعَلَّقَ عَلَى الدَّالِّ ضَمَانٌ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ مِنْهُ فِعْلٌ يُوجِبُ الضَّمَانَ، وَيُجْمَعُ بَيْنَ الدَّالِّ وَالْقَاتِلِ فِي الْإِثْمِ، لِأَنَّ الْإِثْمَ قَدْ يَجِبُ بِالْفِعْلِ وَغَيْرِ الْفِعْلِ، وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ فَلَا حُجَّةَ فِيهِ، لِأَنَّهُمْ سَأَلُوهُ