قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ: قَتْلُ الصَّيْدِ حَرَامٌ فِي الْحَرَمِ وَالْإِحْرَامِ وَهُوَ مَضْمُونٌ بِالْجَزَاءِ عَمْدًا كَانَ أَوْ خَطَأً. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَا أيُّهَا الّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ) {المائدة: 94) فَفِي قَوْلِهِ {لَيَبْلُوَنَّكُمْ} تَأْوِيلَانِ:
أَحَدُهُمَا: مَعْنَاهُ لَيَخْتَبِرَنَّكُمْ.
وَالثَّانِي: لَيُكَلِّفَنَكُمْ. وَفِي قَوْله تَعَالَى: {تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ} تأويلان:
أحدهما: " تناله أيديكم " البيض، ورماحكم: الصَّيْدُ وَهُوَ قَوْلُ مُجَاهِدٍ.
وَالثَّانِي: تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ صغار الصيد وما ضعف منه ورماحكم كِبَارُ الصَّيْدِ وَمَا قَوِيَ مِنْهُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالْآيَةُ تَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَيْنِ مَعًا، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: {لِيَعْلَم اللهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالغَيْبِ) {المائدة: 94) وفيه تأويلان:
أحدهما: أن معناه لتعلموا أنتم أن الله يعلم ما يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنَّ أنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي العَذَابِ الْمُهِينِ) {سبأ: 14) . مَعْنَاهُ: تبينت الجن أن الأنس قد علموا أن الْجِنُّ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا في الْمُهِينِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ مَعْنَاهُ إِلَّا لِيَعْلَمَ عِلْمَ مُشَاهِدَةٍ وَنَظَرٍ، فَهَذِهِ الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الصيد حُكْمًا قَدِ ابْتُلِيَ بِهِ الْخَلْقُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُعْلَمَ مِنْهُ تَحْرِيمُ قَتْلِهِ عَلَى الْمُحْرِمِ وَلَا إِيجَابُ الْجَزَاءِ فِيهِ، ثُمَّ يُبَيِّنُ سُبْحَانَهُ تَحْرِيمَ قَتْلِهِ وَإِيجَابَ الْجَزَاءِ فِيهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أيُّهَا الّذِينَ آَمَنُوا لاَ تَقْتُلُواْ الصَّيْدَ وَأنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزَاءُ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ) {المائدة: 95) فَيُسْتَدَلُّ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى تَحْرِيمِ قَتْلِ الصَّيْدِ عَلَى الْمُحْرِمِ وَإِيجَابِ الْجَزَاءِ فِيهِ، وَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعاً لَكُمْ وِللسَّيَّارَةِ، وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً) {المائدة: 96) وَفِي قَوْله تَعَالَى: {وَطَعَامُهُ مَتَاعاً لَكُمْ} تَأْوِيلَانِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَهُوَ مَا لَفِظَهُ الْبَحْرُ.