وَدَلِيلُنَا قَوْله تَعَالَى: {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ) {البقرة: 275) وَهَذَا الْمُرْتَدُّ إِذَا أَسْلَمَ بَعْدَ رِدَّتِهِ فَقَدِ انْتَهَى بِمَوْعِظَةٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ لَهُ مَا سَلَفَ مِنْ عَمَلِهِ وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولِئِكَ حَبِطَتْ أعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيا والآخِرَةِ) {البقرة: 217) وَهَذَا نَصٌّ فِي أَنْ حَبْطَ الْعَمَلِ لَا يَكُونُ بِنَفْسِ الرِّدَّةِ حَتَّى يَقْتَرِنَ بِالْمَوْتِ وَفِيهَا انفصال عن الاثنين، وَلِأَنَّ كُلَّ مَنْ لَزِمَهُ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ لَمْ تَلْزَمْهُ حَجَّةٌ أُخْرَى بِأَصْلِ الشَّرْعِ كَالْمُسْلِمِ غَيْرِ المرتد.
فأما الجواب عن الاثنين فَقَدْ مَضَى وَأَنَّهُمَا مَحْمُولَتَانِ عَلَى مَنْ مَاتَ مُرْتَدًّا.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: " الْإِسْلَامُ يَجُبُّ مَا كَانَ قَبْلَهُ " فَلَا دَلِيلَ فِيهِ لِأَنَّا قَدْ أَجْمَعْنَا أَنَّ الْإِسْلَامَ لَا يَجُبُّ مَا كَانَ قَبْلَهُ لِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّ عَمَلَهُ يَحْبَطُ بِالرِّدَّةِ، وَنَحْنُ نَقُولُ بِالرِّدَّةِ وَبِالْمَوْتِ وَمَا أَحَدٌ مِنَّا يَقُولُ إِنَّ عَمَلَهُ يَحْبَطُ بِالْإِسْلَامِ فَسَقَطَ الِاسْتِدْلَالُ بِهِ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ مَتْرُوكٌ.
وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى الْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ فَالْمَعْنَى فِي الْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ: أَنَّهُ لَمْ يُسْقِطْ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ عَنْ نَفْسِهِ فَلِذَلِكَ لَزِمَهُ فِعْلُهَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمُرْتَدُّ.
وَأَمَّا قَوْلُهُمْ إِنَّ عَمَلَهُ إِمَّا أَنْ يَحْبَطَ بِالْمَوْتِ أَوْ بِالرِّدَّةِ.
قُلْنَا: لَا بَلْ عَمَلُهُ يَحْبَطُ بِهِمَا فَأَمَّا بأحدهما فلا والله أعلم.
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: إِذَا أَحْرَمَ الْعَبْدُ بِالْحَجِّ ثُمَّ وطء فِيهِ فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ كَالْحُرِّ قَدْ فَسَدَ حَجُّهُ وَلَزِمَهُ إِتْمَامُهُ وَقَضَاؤُهُ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ تَخْرِيجًا مِنْ أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فِي الصَّبِيِّ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ مِمَّنْ لَا يَلْزَمُهُ فَرْضُ الْحَجِّ، وَهَذَا خَطَأٌ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ مِمَّنْ يِلْزَمُهُ الْحَجُّ بِالدُّخُولِ فِيهِ وَإِنْ لَمْ يَلْزَمْهُ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ، فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْقَضَاءَ عَلَيْهِ وَاجِبٌ فَهَلْ يَقْضِي فِي حَالِ رِقِّهِ أَوْ بَعْدَ عِتْقِهِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: بَعْدَ عِتْقِهِ فَإِنْ قَضَاهُ فِي حَالِ رِقِّهِ لَمْ يُجْزِهِ، لِأَنَّ الْقَضَاءَ فَرَضٌ وَالْعَبْدُ مِمَّنْ لَا يَصِحُّ مِنْهُ فَرْضُ الْحَجِّ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ مَنْصُوصُ الشَّافِعِيِّ يَجُوزُ أَنْ يَقْضِيَهُ فِي حَالِ رِقِّهِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنِ الرِّقُّ مَانِعًا مِنْ وُجُوبِ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ مَانِعًا مِنْ إِسْقَاطِ فَرْضِ الْقَضَاءِ عَنْهُ فَعَلَى هَذَا إِنَّ