وقال مال: يُمْنَعُ مِنَ الطِّيبِ، فَإِنْ تَطَيَّبَ أُمِرَ بِغَسْلِهِ، فَإِنْ لَمْ يَغْسِلْهُ حَتَّى أَحْرَمَ وَالطِّيبُ عَلَيْهِ لَمْ يُقْبَلْ وَبِتَحْرِيمِهِ فِي الصَّحَابَةِ قَالَ عَمْرُ وابْنُ عُمَرَ، وَفِي التَّابِعِينَ الْحَسَنُ، وَابْنُ سِيرِينَ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَعَطَاءٌ، وَفِي الْفُقَهَاءِ محمد بن الحسن، اسْتِدْلَالًا بِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الْمُحْرِمِ فَقَالَ: " أَشْعَثُ أَغْبَرُ " فَإِذَا كَانَتْ هَذِهِ صِفَةُ الْمُحْرِمِ وَجَبَ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنَ الطِّيبِ؛ لِأَنَّهُ يُزِيلُ هَذِهِ الصِّفَةَ؛ وَرُوِيَ أَنَّ أَعْرَابِيًّا قَالَ: " يَا رَسُولَ اللَّهِ أَحْرَمْتُ وَعَلَيَّ جُبَّةٌ مُضَمَّخَةٌ بِالْخَلُوقِ، فَقَالَ: انْزَعِ الْجُبَّةَ، وَاغْسِلِ الصُّفْرَةَ ". فَكَانَ أَمْرُهُ بِغَسْلِهِ دَلِيلًا عَلَى تَحْرِيمِ اسْتَدَامَتْهُ. وَرُوِيَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَأَى مُعَاوِيَةَ مُحْرِمًا، وَعَلَيْهِ طِيبٌ فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ، وَقَالَ: مَنْ طَيَّبَكَ، فَقَالَ: أَمُّ حَبِيبَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَقَالَ: عَزَمْتُ عَلَيْكَ لَتَرْجِعَنَّ إِلَيْهَا لِتَغْسِلَهُ عَنْكَ كَمَا طَيَّبَتْكَ. وَرَوَى بِشْرُ بْنُ يَسَارٍ قَالَ: لَمَّا أحرمنا، وجد عمر ريح طيب، فَقَالَ: مِمَّنْ هَذَا الرِّيحُ؟ فَقَالَ الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ: مِنِّي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ: قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ امْرَأَتَكَ عَطَّرَتْكَ أَوْ عَطَّارَةٌ، إِنَّمَا الْحَاجُّ الْأَذْفَرُ الْأَغْبَرُ، وَلِأَنَّهُ مَعْنًى يَتْرَفَّهُ بِهِ الْمُحْرِمُ، فَوَجَبَ إِذَا مَنَعَ الْإِحْرَامُ مِنَ ابْتِدَائِهِ، أَنْ يَمْنَعَ مِنَ اسْتِدَامَتِهِ، كَاللِّبَاسِ وَلِأَنَّ الْمُحْرِمَ إِنَّمَا يُمْنَعُ مِنَ الطِّيبِ؛ لِأَنَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجِمَاعِ، وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي اسْتِدَامَتِهِ كَوُجُودِهِ فِي ابْتِدَائِهِ، وِالدَّلَالَةُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبْنَا إِلَيْهِ، رِوَايَةُ القاسم بن محمد عن عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: طَيَّبْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لِإِحْرَامِهِ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ وَلِحَلِّهِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ وَرَوَى عُرْوَةُ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: طَيَّبْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِيَدَيَّ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ لِلْحِلِّ وَالْإِحْرَامِ.
وَرَوَتْ عَائِشَةُ بِنْتُ طَلْحَةَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: كُنَّا إِذَا سَافَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إلى مكة يضمخ جباهنا بالمسك، فكنا إذا عرقنا سال عَلَى وُجُوهِنَا، وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَنْظُرُ إِلَيْنَا وَنَحْنُ مُحْرِمَاتٌ، فَلَا يَنْهَانَا.
وَرَوَى الْأَسْوَدُ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: رَأَيْتُ وَبِيصَ الطِّيبِ فِي مَفَارِقَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بعد ثلاث من إحرامه ولأنه معنى يراد للبقاء والاستدامة، فَوَجَبَ أَنْ لَا يَمْنَعَ الْإِحْرَامُ مَنَ اسْتَدَامَتْهُ كالنكاح.