بذات عرق صار في حكم أهل العراق وَلَزِمَهُ الْإِحْرَامُ مِنْ ذَاتِ عِرْقٍ، وَقَوْلُهُ " وَلَمْ يَأْتِ مِنْ بَلَدِهِ " لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي الْمَسْأَلَةِ، كَمَا وَهِمَ فِيهِ الْمُزَنِيُّ، فَجَعَلَهُ شَرْطًا، بَلْ حُكْمُهُ إِنْ أَتَى مِنْ بَلَدِهِ أَوْ لَمْ يَأْتِ مِنْهُ إِذَا مَرَّ بِمِيقَاتِ غَيْرِهِ سَوَاءٌ فِي أَنَّهُ يَصِيرُ مِيقَاتًا لَهُ، لِأَنَّنَا نُجْرِي الْمَوَاقِيتَ مَجْرَى الْقِبَلِ وَإِنَّ كُلَّ مَنْ حَصَلَ فَيَ قِبْلَةِ قَوْمٍ، اسْتَقْبَلَهَا وَصَلَّى إِلَيْهَا، كَالْمَشْرِقِيِّ إِذَا حَصَّلَ بِالْمَغْرِبِ أَوِ الْمَغْرِبِيِّ إِذَا حَصَّلَ بِالْمَشْرِقِ.
: فَلَوْ أَنَّ رَجُلًا مَرَّ بِمِيقَاتِ بَلَدِهِ وَلَمْ يُحْرِمْ مِنْهُ، وَأَحْرَمَ مِنْ مِيقَاتِ غَيْرِ بَلَدِهِ، نُظِرَ، فَإِنْ كَانَ الْمِيقَاتُ الَّذِي أَحْرَمَ مِنْهُ مِثْلَ مِيقَاتِ بَلَدِهِ أَوْ أَبْعَدَ مِنْهُ، كَالْعِرَاقِيِّ إِذَا مَرَّ بِذَاتِ عِرْقٍ فَلَمْ يُحْرِمْ بِهَا، حَتَّى عَرَّجَ عَلَى ذِي الْحُلَيْفَةِ، فَأَحْرَمَ مِنْهَا أَجْزَأَهُ، وَلَا دَمَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ الْمِيقَاتُ الَّذِي أَحْرَمَ مِنْهُ أَقْرَبَ، وَمِيقَاتُ بَلَدِهِ أَبْعَدَ مِنْهُ، كَالْمَدَنِيِّ إِذَا مَرَّ بِذِي الْحُلَيْفَةِ، فَلَمْ يُحْرِمْ مِنْهَا حَتَّى عَرَّجَ عَلَى ذَاتِ عِرْقٍ، فَأَحْرَمَ مِنْهَا، فَعَلَيْهِ دَمٌ، كَمَنْ أَحْرَمَ بَعْدَ مِيقَاتِهِ إِلَى أَنْ يَعُودَ إِلَى مِيقَاتِ بَلَدِهِ مُحْرِمًا، فَسَقَطَ عَنْهُ الدَّمُ.
مَسْأَلَةٌ
: قال الشافعي رضي الله عنه: " وَالْمَوَاقِيتُ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَالْقِرَانِ سَوَاءٌ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ، وَدَلَّلْنَا عَلَيْهِ بقوله: " فَمَنْ أَرَادَ حَجًّا أَوْ عُمْرَةً " وَلِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - خَرَجَ فِي أَصْحَابِهِ عَامَ حَجِّهِ وَكَانُوا زُهَاءَ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ أَلْفًا فَأَحْرَمَ جَمِيعُهُمْ مِنْ ذِي الحليفة، وفيهم حاج ومعتمر.
مسألة
: قال الشافعي رضي الله عنه: " ومن سلك برّاً أو بحراً توخى حَتَّى يُهِلَّ مِنْ حَذْوِ الْمَوَاقِيتِ أَوْ مِنْ وَرَائِهَا ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ. إِذَا سَلَكَ الرَّجُلُ طَرِيقًا لَا مِيقَاتَ لَهُ مِنْ بَرٍّ أو بحر، فعليه أن يتوخى فِي الْمِيقَاتِ، وَيَجْتَهِدَ حَتَّى يُحْرِمَ بِإِزَائِهِ أَوْ من ورائه، كما يتوخى في جهة القبلة، وكما يتوخى النَّاسُ فِي ذَاتِ عِرْقٍ، عَلَى مَا رُوِّينَا عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَإِنْ سَلَكَ مِنْ مِيقَاتَيْنِ فَلَهُمَا حَالَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ أحدهما أقرب إليه من الآخر، فهذا يتوخى فِي الَّذِي هُوَ أَقْرَبُ إِلَيْهِ دُونَ الْآخَرِ، سَوَاءٌ كَانَ أَبْعَدَ مِنَ الْحَرَمِ أَوْ أَقْرَبَ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْمِيقَاتَيْنِ سَوَاءٌ، وَقَدِ اخْتَصَّ هَذَا بِالْقُرْبِ مِنْهُ، فَكَانَ أَوْلَى مِمَّا هُوَ أَبْعَدُ مِنْهُ.
وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ فِي الْقُرْبِ إِلَيْهِ عَلَى سَوَاءٍ، فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَا إِلَى الْحَرَمِ أَيْضًا وَعَلَى سَوَاءٍ، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَقَدِ اسْتَوَتْ حَالُهُمَا فِي الْقُرْبِ إِلَيْهِ وَإِلَى الْحَرَمِ، فَلَيْسَ أَحَدُهُمَا أَوْلَى مِنَ الآخر، فيكون فيهما بالخيار، ويتوخى فِي أَيِّهِمَا شَاءَ حَتَّى يُحْرِمَ بِإِزَائِهِ أَوْ من ورائه.