- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وَلَا يَجُوزُ بَعْدَهُ وَكَانَ السَّبَبُ فِي فَسْخِ الْحَجِّ إِلَى الْعُمْرَةِ عَلَى مَا ذُكِرَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَعْتَقِدُونَ أَنَّ فِعْلَ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ لَا يَجُوزُ حَتَّى كَانُوا يَقُولُونَ: إِذَا برأ الدبر وعفي الْأَثَرُ وَانْسَلَخَ صَفَرٌ حَلَّتِ الْعُمْرَةُ لِمَنِ اعْتَمَرَ، وَيَدُلُّ عَلَى مَا قُلْنَا: أَنَّ الْإِحْرَامَ فِعْلٌ مِنْ أَفْعَالِ الْحَجِّ، فَوَجَبَ أَنْ لَا يَجُوزَ لَهُ أَنْ يَفْعَلَهُ عَنْ غَيْرِهِ قَبْلَ أَنْ يَفْعَلَهُ عَنْ نَفْسِهِ.
أَصْلُهُ: إِذَا كَانَ عَلَيْهِ طَوَافُ الزِّيَارَةِ وَطَوَافٌ عَنْ غَيْرِهِ، وَلِأَنَّهَا عِبَادَةٌ تَتَعَلَّقُ بِقَطْعِ مَسَافَةٍ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُؤَدِّيَهَا عَنْ غَيْرِهِ، مَعَ وُجُوبِ فَرْضِهَا عَلَيْهِ كَالْجِهَادِ فَأَمَّا حَدِيثُ الْخَثْعَمِيَّةِ، فَالْجَوَابُ عَنْهُ مَا رُوِيَ أَنَّهَا سَأَلَتْهُ، وَقَدْ رَفَعَ مِنْ مُزْدَلِفَةَ إِلَى مِنًى فَكَانَ الظَّاهِرُ مِنْ حَالِهَا، أَنَّهَا قَدْ أَدَّتْ فَرْضَ الْحَجِّ عَنْ نَفْسِهَا سِيَّمَا وَقَدْ شَاهَدَهَا فِي الْمَوَاقِفِ مَعَ النَّاسِ وَعَلَى أَنَّهَا قَصَدَتْ بِالسُّؤَالِ بِعَرَفَةَ وُجُوبَ الْحَجِّ عَلَى أَبِيهَا، وَلَمْ تَقْصِدْ بِهِ صِفَةَ الْحَجِّ وَكَيْفِيَّةَ النِّيَابَةِ فِيهِ وَأَمَّا حَدِيثُ نُبَيْشَةَ فَرِوَايَةُ الْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ وَهُوَ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَيْسَرَةَ عَنْ طَاوُسٍ، وَقَدْ رُوِيَ بِإِسْنَادِهِ أَنَّهُ قَالَ: حُجَّ عَنْ نَفْسِكَ ثُمَّ حُجَّ عَنْ نُبَيْشَةَ.
وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى الزَّكَاةِ فَالْمَعْنَى فِيهِ: جَوَازُ النِّيَابَةِ فِيهِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى أَدَائِهِ، وَالْحَجُّ لَا يَصِحُّ فِيهِ النِّيَابَةُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ.
: فَإِذَا صَحَّ مَا ذَكَرْنَاهُ فَمَنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ عَنْ غَيْرِهِ، قَبْلَ أَدَاءِ فَرْضِ الْحَجِّ عَنْ نَفْسِهِ لَمْ يَبْطُلْ إِحْرَامُهُ بِخِلَافِ قَوْلِ دَاوُدَ، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " اجْعَلْهَا عَنْ نَفْسِكَ " وَلِأَنَّ الْإِحْرَامَ لَا يَبْطُلُ إِلَى مَا تَقْتَضِيهِ الْحَالُ كَمَا قُلْنَا فِيمَنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ قَبْلَ أَشْهُرِهِ يَصِيرُ عُمْرَةً، وَلَوْ كَانَتِ الْحَجَّةُ عَنْ نَفْسِهِ لَزِمَهُ رَدُّ الْأُجْرَةِ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ، لِأَنَّهُ عَاوَضَهُ عَلَى عَمَلٍ لَمْ يحصل له.
: قال الشافعي رضي الله عنه: " وَكَذَلِكَ لَوْ أَحْرَمَ مُتَطَوِّعًا وَعَلَيْهِ حَجٌّ كَانَ فَرْضَهُ أَوْ عُمْرَةٌ كَانَتْ فَرْضَهُ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الَّتِي قَبْلَهَا، وَالْخِلَافُ فِيهَا مَعَ أبي حنيفة وَاحِدٌ فَإِذَا أَحْرَمَ تَطَوُّعًا وَعَلَيْهِ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ كَانَتْ عَنْ فَرْضِهِ وَعِنْدَ أبي حنيفة تَكُونُ تَطَوُّعًا بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ، وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ، لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَمَّا جَعَلَ إِحْرَامَهُ عَلَى الْغَيْرِ إِحْرَامًا عَنْ نَفْسِهِ، لِأَنَّهُ كَانَ الْأَوْلَى بِحَالِهِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ إِحْرَامُهُ عَنِ التَّطَوُّعِ، إِحْرَامًا عَنِ الْفَرْضِ، لأنه