عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ كَانَ أَوَّلَ مَنْ أَجَابَ دَعْوَةَ إِبْرَاهِيمَ بِالْحَجِّ بِالتَّلْبِيَةِ أَهْلُ الْيَمَنِ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَأَتِمّوا الحجَّ وَالعُمْرَةَ لِلهِ) {البقرة: 196) أي افعلوها عَلَى التَّمَامِ وَقَالَ تَعَالَى: {وَللهِ عَلَى النَّاسِ حَجُّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} (آل عمران: 97) الْآيَةَ وَفِي قَوْلِهِ: {وَمَنْ كَفَرَ) {آل عمران: 97) ثَلَاثَةُ تَأْوِيلَاتٍ:
أَحَدُهَا: وَهُوَ قَوْلُ عِكْرِمَةَ، وَمَنْ كَفَرَ مِنْ أَهْلِ الْمِلَلِ، {فَإنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ العَالَمِينَ} (آل عمران: 97) رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْر الإسْلاَمِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ) {آل عمران: 85) قَالَتِ الْيَهُودُ: فَنَحْنُ الْمُسْلِمُونَ، فَقَالَ اللَّهِ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَحَجُّهُمْ فَقَالَ لَهُمُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَحُجُّوا فَقَالَ لَمْ يُكْتَبْ عَلَيْنَا وَأَبَوْا أَنْ يَحُجُّوا قَالَ عِكْرِمَةُ، وَمَنْ كَفَرَ مِنْ أَهْلِ الْمِلَلِ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ قَالَ الشافعي: وما أشبه ما قال عكرمة عن مسلم عن سعيد بما قال.
وَالتَّأْوِيلُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: ومن كفر هو من إن حَجَّ لَمْ يَرَهُ بِرًّا وَإِنْ جَلَسَ لَمْ يَرَهُ مَأْثَمًا وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ مُسْلِمٍ عَنْ سَعِيدٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ.
وَالتَّأْوِيلُ الثَّالِثُ: وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ سَالِمٍ، وَمَنْ كَفَرَ بِفَرْضِ الْحَجِّ، فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالِمَيْنِ، وَأَكَّدَ ذَلِكَ بِمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قال: " بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خمسٍ شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَحَجِّ الْبَيْتِ وَصِيَامِ رَمَضَانَ " وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ " صَلُّوا خَمْسَكُمْ وَصُومُوا شَهْرَكُمْ وَأَدُّوا زَكَاةَ أَمْوَالِكُمْ طَيِّبَةً بِهَا نُفُوسُكُمْ وَحُجُّوا بَيْتَ رَبِّكُمْ تَدْخُلُوا جَنَّةَ رَبِّكُمْ " وَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صَعِدَ الْمِنْبَرَ وَقَالَ " إِنَّ اللَّهَ فَرَضَ عَلَيْكُمُ الْحَجَّ فَقَامَ رجلٌ فَقَالَ أَفِي كُلِّ عامٍ فَلَمْ يُجِبْهُ فَأَعَادَ ثَالِثَةً فَقَالَ لَوْ قُلْتُ نَعَمْ لَوَجَبَتْ وَلَوْ وَجَبَتْ مَا قُمْتُمْ بِهَا، وَلَوْ تَرَكْتُمُوهَا لَكَفَرْتُمْ أَلَا وَادِعُونِي مَا وَادَعْتُكُمْ " وَرَوَى أَبُو أُمَامَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مَنْ لَمْ يَمْنَعْهُ مِنَ الْحَجِّ حاجةٌ ظاهرةٌ أَوْ مرضٌ حابسٌ أَوْ سلطانٌ جَائِرٌ فَلْيَمُتْ إِنْ شَاءَ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا قِيلَ: مَنْ يَرَهُ وَاجِبًا كَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، وَقِيلَ بَلْ عَلَى سَبِيلِ التَّغْلِيظِ وَالزَّجْرِ، وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي مُحَمَّدٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: حُجُّوا قَبْلَ أَنْ لَا تَحِجُّوا قَالُوا: وَمَا شَأْنُ الْحَجِّ قَالَ: يَقْعُدُ أَعْرَابُهَا عَلَى أَدْنَابِ أَوْدِيَتِهَا فَلَا يَصِلُ إِلَى الْحَجِّ أحدٌ.