: فَأَمَّا مُحَادَثَةُ الْإِخْوَانِ فَمُبَاحَةٌ، مَا لَمْ تَكُنْ مَأْثَمًا، لِمَا رَوَى عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتِ: اعْتَكَفَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَجِئْتُ أَزُورُهُ لَيْلًا فَقَعَدْتُ وَحَدَّثْتُهُ فَلَمَّا قُمْتُ، وانقلبت قام ليغلبني يعني يردني فَلَمَّا بَلَغَ بَابَ الْمَسْجِدِ مَرَّ بِهِ رَجُلَانِ مِنَ الْأَنْصَارِ فَلَمَّا رَأَيَاهُ أَسْرَعَا فَقَالَ عَلَى رِسْلِكُمَا إِنَّهَا صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ، فَقَالَا: سُبْحَانَ اللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ: إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنْ أَحَدِكُمْ مَجْرَى لَحْمِهِ وَدَمِهِ فَخَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ فِي قُلُوبِكُمْ شَرًّا أَوْ قَالَ شَيْئًا فَأَمَّا السَّبُّ وَالشَّتِيمَةُ وَالْقَذْفُ، وَالنَّمِيمَةُ فَمَكْرُوهٌ، لِكُلِّ أَحَدٍ، وَالْمُعْتَكِفُ بِكَرَاهَتِهِ أَوْلَى كَالصَّائِمِ لِكَوْنِهِ فِي عِبَادَةٍ، فَإِنْ فَعَلَ فَقَدْ أَسَاءَ وَأَثِمَ، وَاعْتِكَافُهُ جَائِزٌ لِأَنَّ كُلَّ عِبَادَةٍ لَا تَبْطُلُ بِالْكَلَامِ الْمُبَاحِ، لَا تَبْطُلُ بِالْكَلَامِ الْمَحْظُورِ كَالصِّيَامِ وَالْحَجِّ.
فَصْلٌ
: قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الْأُمِّ: وَإِذَا شَرِبَ الْمُعْتَكِفُ نَبِيذًا فَسَكِرَ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ، وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي تَأْوِيلِهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّمَا أَرَادَ الشَّافِعِيُّ إِذَا سَكِرَ وَأُخْرِجَ مِنَ الْمَسْجِدِ لِإِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ أَوْ كُلِّفَ الْخُرُوجَ مِنْهُ، إِذْ لَا يَجُوزُ لِلسَّكْرَانِ الْمُقَامُ فِيهِ فَأَشْبَهَ الْمَرَضَ، قِيلَ لَهُمْ: لَا يَصِحُّ حَمْلُ الْمَسْأَلَةِ عَلَيْهِ إِذَا أُخْرِجَ لِإِقَامَةِ الْحَدِّ، لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ: وَلَوْ أَخْرَجَهُ السُّلْطَانُ لِإِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ لَمْ يَبْطُلِ اعْتِكَافُهُ، قَالُوا: إِنَّمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ لَمْ يَبْطُلِ اعْتِكَافُهُ إِذَا أُخْرِجَ لِإِقَامَةِ حَدٍّ وَجَبَ عَلَيْهِ قَبْلَ اعْتِكَافِهِ فَأَمَّا مَا وَجَبَ عَلَيْهِ فِي حَالِ الِاعْتِكَافِ فَيُبْطِلُهُ، وَكَأَنَّهُ اخْتَارَ الْخُرُوجَ.
وَقَالَ آخَرُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا: وَهُوَ الصَّحِيحُ أن المسألة على ظاهرها حتى بالسكر بطل اعتكافه، لأنه بالسر يَخْرُجُ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْمَسْجِدِ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنَ الْمُقَامِ فِيهِ، فَصَارَ كَالْخَارِجِ مِنْهُ فَبَطَلَ اعْتِكَافُهُ.
فَصْلٌ
: قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا ارْتَدَّ الْمُعْتَكِفُ لَمْ يَبْطُلِ اعْتِكَافُهُ فَإِذَا عَادَ إِلَى الْإِسْلَامِ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ، فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فَقَالَ بَعْضُهُمْ إِنَّ الشَّافِعِيَّ أَمَرَ الرَّبِيعَ أَنْ يَخُطَّ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَلَا تُقْرَأُ عَلَيْهِ وَمَذْهَبُهُ أَنَّ الرِّدَّةَ تُبْطِلُ الِاعْتِكَافَ، لِأَنَّهَا أَسْوَأُ حَالًا مِنَ السُّكْرِ وَكَانَ بَعْضُهُمْ يُخْرِجُ فِي الْمُرْتَدِّ قَوْلًا آخر من السركان، وَفِي السَّكْرَانِ، قُولًا آخَرَ مِنَ الْمُرْتَدِّ، فَجَعَلَ الْمَسْأَلَتَيْنِ عَلَى قَوْلَيْنِ وَقَالَ آخَرُونَ جَوَابُ الشَّافِعِيِّ فِي الرِّدَّةِ عَلَى ظَاهِرِهِ لَا يُبْطِلُ الِاعْتِكَافَ وَفِي السُّكْرِ عَلَى ظَاهِرِهِ يَبْطُلُ الِاعْتِكَافُ، وَالْفَرْقُ بينهما أنه بالسكر فممنوع مِنَ الْمَسْجِدِ، فَصَارَ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِ، وَبِالرِّدَّةِ لَا يُمْتَنَعُ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْمَسْجِدِ لِأَنَّهُ كَافِرٌ، وَالْكَافِرُ يَجُوزُ لَهُ