الْحَجِّ وَالْعِبَادَاتِ كُلِّهَا، إِذَا سَقَطَ مُوجِبُ النَّذْرِ فِيهَا بِالِاسْتِثْنَاءِ وَالشَّرْطِ، وَعَادَتْ إِلَى مُوجِبِ الْفِعْلِ لم يلزمه المضي فيها، فوضع الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا.
وَأَمَّا شَرْطُ الْخُرُوجِ، فَلَا يَجُوزُ مِثْلُهُ فِي الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَالْحَجِّ وَيَجُوزُ فِي الِاعْتِكَافِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: إِنَّ الْخُرُوجَ لَا يُنَافِي الِاعْتِكَافَ لِأَنَّهُ قَدْ يَخْرُجُ لِحَاجَةِ نَفْسِهِ، وَيَعُودُ إِلَى اعْتِكَافِهِ، وَيُنَافِي الصَّلَاةَ وَالصِّيَامَ وَالْحَجَّ، لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْخُرُوجُ مِنْهُ وَالْعَوْدُ إِلَيْهِ لِحَاجَةٍ، وَلَا لِغَيْرِهَا.
وَالثَّانِي: إِنَّ الِاعْتِكَافَ لَا يَتَقَدَّرُ بِزَمَانٍ وَلَا يَرْتَبِطُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ، وَالصَّلَاةُ قَدِ ارْتَبَطَ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ وَتَقَدَّرَتْ بِعَمَلٍ لَا يَجُوزُ الِاقْتِصَارُ عَلَى بَعْضِهِ، وَكَذَلِكَ الصِّيَامُ مُقَدَّرٌ بِزَمَانٍ لَا يَصِحُّ إِيقَاعُهُ فِي بَعْضِهِ، فَلِذَلِكَ مَا افْتَرَقَ حُكْمُ الشَّرْطِ فِي ذَلِكَ، فَإِذَا تَقَرَّرَ جَوَازُ اشْتِرَاطِ الْخُرُوجِ مِنَ الِاعْتِكَافِ دُونَ مَا سِوَاهُ مِنَ الْعِبَادَاتِ، لَمْ يَخْلُ حَالُ مَا اشْتَرَطَهُ وَخَرَجَ لَهُ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ إِمَّا أَنْ يَكُونَ مَحْظُورًا، أَوْ مُبَاحًا فَإِنْ كَانَ مُبَاحًا كَاسْتِقْبَالِ قَادِمٍ، أَوِ اقْتِضَاءِ غَرِيمٍ، وَلِقَاءِ سُلْطَانٍ أَوْ كَانَ مُسْتَحَبًّا كَعِيَادَةِ مَرِيضٍ وَتَشْيِيعِ جِنَازَةٍ، أَوْ كَانَ وَاجِبًا كَحُضُورِ الْجُمُعَةِ جَازَ، وَلَزِمَهُ الْعَوْدُ إِلَى اعْتِكَافِهِ وَالْبِنَاءِ عَلَيْهِ، وَتَكُونُ مُدَّةُ خُرُوجِهِ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ نَذْرِهِ بِالشَّرْطِ كَمَا أَنَّ أَوْقَاتَ الْحَاجَةِ مُسْتَثْنَاةٌ بِالشَّرْعِ، وَإِنْ كَانَ مَحْظُورًا فَعَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: إِنَّهُ يُنَافِي الِاعْتِكَافَ كَالْوَطْءِ فَإِنْ خَرَجَ مِنَ اعْتِكَافِهِ، وَوَطِئَ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ، وَلَزِمَهُ اسْتِئْنَافُهُ وَلِأَنَّ الْوَطْءَ يَمْنَعُ مِنَ الْبِنَاءِ، وَيَنْقُضُ حُكْمَ ما مضى فصار بمثابة الوطئ فِي صَوْمِهِ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: إِنَّهُ لَا يُنَافِي الِاعْتِكَافَ وَلَكِنَّهُ يَنْقُضُهُ كَالسَّرِقَةِ وَقَتْلِ النَّفْسِ الْمُحَرَّمَةِ فَفِي بُطْلَانِ اعْتِكَافِهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: قَدْ بَطَلَ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ الْمَعْصِيَةِ كَلَا اشْتِرَاطٍ فَصَارَ بِمَثَابَةِ مَنْ خَرَجَ بِغَيْرِ شَرْطٍ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَبْطُلُ وَلَهُ الْبِنَاءُ عَلَيْهِ، لِأَنَّ نَذْرَهُ إِنَّمَا يَنْعَقِدُ عَلَى مَا سِوَى مُدَّةِ الشَّرْطِ، فَلَمْ يكن نذر المدة مقصودة بالعمل والله أعلم.
قال الشافعي رضي الله عنه قال: " وَلَا بَأْسَ أَنْ يَعْتَكِفَ وَلَا يَنْوِيَ أَيَّامًا مَتَى شَاءَ خَرَجَ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ، قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الِاعْتِكَافَ غَيْرُ مُقَدَّرٍ بِزَمَانٍ بَلْ يَصِحُّ فِعْلُهُ فِي قَلِيلِ الزَّمَانِ وَكَثِيرِهِ، فَإِذَا نَذَرَ اعْتِكَافًا وَلَمْ يَذْكُرْ قَدْرَهُ، فَإِذَا اعْتَكَفَ وَلَوْ سَاعَةً أَجْزَأَهُ لِأَنَّ مُطْلَقَ النَّذْرِ يَقْتَضِي مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ، كَمَا لَوْ نَذَرَ صَوْمًا أَوْ صَلَاةً أَجْزَأَهُ صَوْمُ يَوْمٍ وصلاة