الحاوي الكبير (صفحة 1450)

وَمِنْهَا: أَنَّهُ سُنَّةٌ مُسْتَحَبَّةٌ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إِلَّا فِي الْمَسْجِدِ، وَدَلَّ عَلَى أَنَّ جَمِيعَ الْمَسَاجِدِ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ وَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ يُخْتَارُ فِي رَمَضَانَ، وَدَلَّ عَلَى جَوَازِهِ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْخُرُوجَ مِنَ الْمَسْجِدِ يُنَافِيهِ، وَدَلَّ عَلَى أَنَّ مَا لَا يَصِحُّ عَمَلُهُ فِي الْمَسْجِدِ يَجُوزُ الْخُرُوجُ لِأَجْلِهِ، وَدَلَّ عَلَى أَنَّ غَسْلَ الرَّأْسِ في الاعتكاف جايز، ودل على أن ترجيل الشعر جايز، وَدَلَّ عَلَى جَوَازِ أَنْ يُخْرِجَ الْمُعْتَكِفُ بَعْضَ بَدَنِهِ، وَإِنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَخْرُجَ فَأَخْرَجَ بَعْضَ بَدَنِهِ لَا يَحْنَثُ، بِخِلَافِ قَوْلِ مَالِكٍ وَدَلَّ عَلَى أَنَّ يَدَ الْمَرْأَةِ لَيْسَتْ عَوْرَةً، ودل على أن من مَسَّ الشَّعْرِ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ، وَدَلَّ عَلَى أن بدن الحايض ليس بنجس.

مسألة:

قال الشافعي رضي الله عنه: " والاعتكاف سنة حسنةٌ وَيَجُوزُ بِغَيْرِ صومٍ وَفِي يَوْمِ الْفِطْرِ وَيَوْمِ النحر وأيام التشريق (قال المزني) لو كان الاعتكاف يوجب الصوم وإنما هو تطوع لم يحز صوم شهر رمضان بغير تطوع وفي اعتكافه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - في رمضان دليل على أنه لم يصم للاعتكاف فتفهموا رحمكم الله ودليل آخر لو كان الاعتكاف لا يجوز إلا مقارناً للصوم لخرج منه الصائم بالليل لخروجه فيه من الصوم فلما لم يخرج منه من الاعتكاف بالليل وخرج فيه من الصوم ثبت منفرداً بغير الصوم وَقَدْ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عمر أن يعتكف ليلة كانت نذراً في الجاهلية ولا صيام فيها ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَمَّا النِّيَّةُ فِي الِاعْتِكَافِ، فَوَاجِبَةٌ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ " وَلِأَنَّ الِاعْتِكَافَ هُوَ اللُّبْثُ فِي الْمَسْجِدِ وَقَدْ يَكُونُ اللُّبْثُ تَارَةً عَادَةً، وتارة عبادة فافتقر إلى نية يصح بِهِ الْفَرْقُ بَيْنَ لُبْثِ الْعَادَةِ مِنْ لُبْثِ الْعِبَادَةِ، فَأَمَّا الصَّوْمُ فَغَيْرُ وَاجِبٍ فِيهِ بَلْ إِنِ اعْتَكَفَ مُفْطِرًا جَازَ وَكَذَلِكَ لَوِ اعْتَكَفَ فِي الْعِيدَيْنِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ، أَوِ اعْتَكَفَ لَيْلًا جَازَ، وَهُوَ قَوْلُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَأَبِي ثَوْرٍ وَالْمُزَنِيِّ وَقَالَ مَالِكٌ وأبو حنيفة وَالثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَهُوَ فِي الصَّحَابَةِ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، إِنَّ الِاعْتِكَافَ لَا يَصِحُّ بِغَيْرِ صَوْمٍ، وَلَا فِي الْأَيَّامِ الَّتِي لَا يَجُوزُ صِيَامُهَا تَعَلُّقًا بِمَا رَوَاهُ الزُّهْرِيُّ عَنْ عُرْوَةُ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لَا اعْتِكَافَ إِلَّا بصومٍ " وَبِمَا رُوِيَ عن عبد الله ابن عُمَرَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي نَذَرْتُ اعْتِكَافَ يومٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - اعْتَكِفْ وَصُمْ، وَأَمَرَهُ بِالصَّوْمِ قَالَ: وَلِأَنَّهُ لُبْثٌ فِي مَكَانٍ مَخْصُوصٍ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَكُونَ قُرْبَةً حَتَّى يُضَمَّ إِلَيْهِ مَا هُوَ قُرْبَةٌ كَالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ، هَذَا مَعَ مَا رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مَا اعْتَكَفَ إِلَّا وَهُوَ صَائِمٌ، فَدَلَّ هَذَا مِنْ فِعْلِهِ عَلَى أَنَّ الِاعْتِكَافَ لَا يَصِحُّ إلا بصوم،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015