أَمَّا الِاعْتِكَافُ فِي اللُّغَةِ فَهُوَ الْمُقَامُ وَاللُّبْثُ عَلَى الشَّيْءِ بَرًّا كَانَ أَوْ آثِمًا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فأَتَوْا علَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أصْنَامٍ لَهُمْ) {الأعراف: 138) أَيْ: يُقِيمُونَ وَقَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:
(تَظَلُّ الطَّيْرُ عَاكِفَةً عَلَيْهِمْ ... وَتَنْتَزِعُ الْحَوَاجِبَ وَالْعُيُونَا)
وَقَالَ أَبُو ذُؤَيْبٍ:
(فَهُنَّ عكوفٌ كَنَوْحِ الْحَمَامِ ... قَدْ شَفَى أَكْبَادَهُنَّ الْهَوَى)
ثُمَّ جَاءَ الشَّرْعُ فَقَرَّرَ الِاعْتِكَافَ لُبْثًا عَلَى صِفَةٍ فِي مَكَانٍ مَخْصُوصٍ.
وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُهُ: {وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي المَسَاجِدِ) {البقرة: 187) وقَوْله تَعَالَى: {أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) {البقرة: 125) وَفِيهِ تَأْوِيلَانِ:
أَحَدُهُمَا: تَطْهِيرُهُ مِنَ الْكُفَّارِ.
وَالثَّانِي: مِنَ الْأَصْنَامِ.
وَرَوَى أَبُو صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ يَعْتَكِفُ عَشْرًا مِنْ رَمَضَانَ فَلَمَّا كَانَ فِي الْعَامِ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ اعْتَكَفَ عِشْرِينَ يَوْمًا وَرَوَى الزُّهْرِيُّ عَنْ عُرْوَةُ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ إِلَى أَنْ تَوَفَّاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ.
فَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا، فَالِاعْتِكَافُ سُنَّةٌ حَسَنَةٌ وَقُرْبَةٌ مَأْمُورٌ بِهَا غَيْرُ وَاجِبَةٍ وَلَازِمَةٍ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، رِوَايَةُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " مَنْ أَرَادَ أَنْ يَعْتَكِفَ فَلْيَعْتَكِفِ الْعَشْرَ