قال الشافعي رضي الله عنه: " أَخْبَرَنَا مالكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - نَهَى عَنِ الْوِصَالِ فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ تُوَاصِلُ قَالَ " إِنِّي لَسْتُ مِثْلَكُمْ إِنِّي أطعم وأسقى " (قال الشافعي) وفرق الله بين رسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وبين الناس في أمور أباحها له حظرها عليهم وفي أمورٍ كتبها عليه خففها عنهم ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَمَّا الْوِصَالُ فِي الصِّيَامِ فَهُوَ أَنْ يَصُومَ الرَّجُلُ يَوْمَهُ فَإِذَا دَخَلَ اللَّيْلُ امْتَنَعَ مِنَ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ، ثُمَّ أَصْبَحَ مِنَ الْغَدِ صَائِمًا فَيَصِيرُ وَاصِلًا بَيْنَ الْيَوْمَيْنِ بِالْإِمْسَاكِ لَا بِالصَّوْمِ لِأَنَّهُ قَدْ أَفْطَرَ بِدُخُولِ اللَّيْلِ، وَإِنْ لَمْ يَأْكُلْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " إذا أقبل الليل من هاهنا وأدبر النهار مِنْ هَاهُنَا فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ " رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ فَهَذَا هُوَ الْوِصَالُ الْمَكْرُوهُ الَّذِي نَهَى عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وَكَانَ الْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَاصَلَ فَوَاصَلَ النَّاسُ ثُمَّ نَهَاهُمْ عَنِ الْوِصَالِ فَانْتَهَوْا ثُمَّ وَاصَلَ فَوَاصَلُوا فَقَالَ: " أَمَا إِنِّي كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنِ الْوِصَالِ " فَقَالُوا رَأَيْنَاكَ وَاصَلْتَ فَوَاصَلْنَا فَقَالَ " إِنِّي لَسْتُ مِثْلَكُمْ إِنِّي أُطْعَمُ وَأُسْقَى " وَرَوَى أَبُو الزِّنَادِ عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِيَّاكُمْ وَالْوِصَالَ إِيَّاكُمْ وَالْوِصَالَ إِيَّاكُمْ وَالْوِصَالَ، إِنِّي أَبِيتُ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِي " وَفِيهِ تَأْوِيلَانِ:
أَحَدُهُمَا: إِنَّهُ يُطْعِمُهُ وَيَسْقِيهِ حَقِيقَةً.
وَالثَّانِي: إِنَّهُ يَمُدُّهُ مِنَ الْقُوَّةِ بِمَا يَقُومُ مَقَامَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ.
فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا، فَالْوِصَالُ مَكْرُوهٌ لِمَا ذَكَرْنَا، وَلِأَنَّ الْوِصَالَ يُورِثُ ضَعْفًا، وَيُقَاسِي فِيهِ مَشَقَّةً وَجُهْدًا فَرُبَّمَا أَعْجَزَهُ عَنْ أَدَاءِ مُفْتَرَضَاتِهِ، فَإِنْ وَاصَلَ فَقَدْ أَسَاءَ وَصَوْمُهُ جَائِزٌ، لِأَنَّ النهي توجه إلى غير زمان الصوم فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ قَادِحًا فِي صِيَامِهِ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ وَاصَلَ الصِّيَامَ سَبْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا، ثُمَّ أَفْطَرَ عَلَى سَمْنٍ وَلَبَنٍ وَصَبِرٍ وَتَأَوَّلَ فِي السَّمْنِ أَنَّهُ يُلَيِّنُ الْأَمْعَاءَ، وَفِي اللَّبَنِ أَنَّهُ أَلْطَفُ غِذَاءٍ، وَفِي الصَّبِرِ أَنَّهُ يُقَوِّي الْأَعْضَاءَ.