عُمَرَ فَلِأَنَّهُ وَافَقَ يَوْمًا كَانَ يَصُومُهُ، بِدَلِيلِ مَا رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لَوْ صُمْتُ الدهر لا فطرت يَوْمَ الشَّكِّ وَمَا ذَكَرَهُ مِنَ الِاحْتِيَاطِ فَغَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّهُ دُخُولٌ فِي الْعِبَادَةِ مَعَ الشَّكِّ وَأَمَّا قَوْلُهُمْ إِنَّ التَّنَفُّلَ قَبْلَ الْفَرْضِ، قُلْنَا: يَفْسَدُ عَلَيْكُمْ بِوَقْتِ الْهَاجِرَةِ إِذَا اسْتَوَتِ الشَّمْسُ لِلزَّوَالِ، وَعِنْدَ الْغُرُوبِ فَإِنَّ التَّنَفُّلَ فِيهِمَا مَكْرُوهٌ، وَإِنْ كَانَ تَنَفُّلًا قَبْلَ الْفَرِيضَةِ.
وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى سَائِرِ أَيَّامِ الشَّهْرِ فَغَيْرُ صَحِيحٍ.
قال الشافعي رضي الله عنه: " وإن شهد شاهدان أن الهلال رؤي قَبْلَ الزَّوَالِ أَوْ بَعْدَهُ فَهُوَ لِلَّيْلَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ ووجب الصيام ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ: إِذَا رَأَى النَّاسُ الْهِلَالَ فِي نَهَارِ يَوْمِ الشَّكِّ، أَوْ شهد رؤيته عدلان، فَهُوَ لِلَّيْلَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ سَوَاءٌ كَانَ رُؤْيَتُهُ قَبْلَ الزَّوَالِ، أَوْ بَعْدَهُ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وأبو يوسف، إِنْ رُئِيَ قَبْلَ الزَّوَالِ فَهُوَ لِلَّيْلَةِ السَّالِفَةِ، وَإِنْ رُئِيَ بَعْدَ الزَّوَالِ فَهُوَ لِلْمُسْتَقْبَلَةِ، وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي هِلَالِ رَمَضَانَ، بِقَوْلِهِمْ، وَفِي هِلَالِ شَوَّالٍ بِقَوْلِنَا احْتِيَاطًا وَاسْتِظْهَارًا، وَاسْتَدَلُّوا فِي ذَلِكَ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ " فَوَجَبَ لِهَذَا الظَّاهِرِ أَنْ يَكُونَ الْفِطْرُ مُعَلَّقًا بِرُؤْيَتِهِ، قَالُوا: وَلِأَنَّ الْهِلَالَ لَا بُدَّ مِنْ إِضَافَتِهِ إِلَى لَيْلٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يُضَافَ إِلَى مَا قَارَبَهُ، وَمَا قَبْلَ الزَّوَالِ أَقْرَبُ إِلَى اللَّيْلَةِ الْمَاضِيَةِ، فَيَجِبُ أَنْ يُضَافَ إِلَيْهَا وَمَا بَعْدَ الزَّوَالِ أَقْرَبُ إِلَى اللَّيْلَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ، فَيَجِبُ أَنْ يُضَافَ إِلَيْهَا، وَالدَّلَالَةُ عَلَى مَا قُلْنَا إِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ وَهُوَ مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ قَالُوا: إِذَا رُئِيَ الْهِلَالُ يَوْمَ الشَّكِّ فَهُوَ لِلَّيْلَةِ المستقبلة ولأنه رُئِيَ هِلَالٌ فِي يَوْمِ الشَّكِّ فَوَجَبَ أَنْ يكون لليلة المستقبلة إِذَا رُئِيَ بَعْدَ الزَّوَالِ فَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُمْ بِالْخَبَرِ فَلَا يَصِحُّ، لِأَنَّهُ يَقْتَضِي وُجُوبَ الصِّيَامِ عِنْدَ حُصُولِ الرُّؤْيَةِ، وَإِذَا رَآهُ نَهَارًا لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ صِيَامِهِ فَعُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْيَوْمُ الَّذِي يَلِيهِ، وَأَمَّا مَا اسْتَدَلُّوا بِهِ مِنَ اعْتِبَارِ الْقُرْبِ فَغَيْرُ صَحِيحٍ، لِأَنَّهُ إِلَى اللَّيْلَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ أَقْرَبُ بِكُلِّ حَالٍ لِأَنَّكَ إِذَا اعْتَبَرْتَ مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلَةِ الْمَاضِيَةِ إِلَى مُقَارَبَةِ الزَّوَالِ، وَمِنْ مُقَارَبَةِ الزَّوَالِ إِلَى أَوَّلِ اللَّيْلَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ كان هذا أقرب.
مسألة:
قال الشافعي رضي الله عنه: " ولو شَهِدَ عَلَى رُؤْيَتِهِ عدلٌ واحدٌ رَأَيْتُ أَنْ أَقْبَلَهُ لِلْأَثَرِ فِيهِ وَالِاحْتِيَاطِ وَرَوَاهُ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه وقال علي عليه السلام " أَصُومَ يَوْمًا مِنْ شَعْبَانَ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ أن أفطر يوماً في رمضان " (قال) والقياس أن لا يقبل على مغيبٍ إلا شاهدان ".