لَا يَجُوزُ أَنْ يُخْرِجَ بَدَلًا مِنَ الْبُرِّ وَالشَّعِيرِ دَقِيقًا وَلَا سَوِيقًا وَلَا بَدَلًا مِنَ التَّمْرِ دِبْسًا وَلَا نَاطِفًا، وَأَجَازَ أبو حنيفة ذَلِكَ عَلَى أَصْلِهِ مِنْ جَوَازِ الْقِيَمِ فِي الزَّكَوَاتِ، وَأَجَازَ مَالِكٌ الدَّقِيقَ بَدَلًا مِنَ الْحَبِّ مَعَ وِفَاقَهُ أَنَّ الْقِيَمَ فِي الزَّكَوَاتِ لَا تَجُوزُ وَبِهِ قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ بَشَّارٍ الْأَنْمَاطِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا، احْتِجَاجًا بِرِوَايَةِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الْفِطْرِ إِذْ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صَاعًا مِنْ تمرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شعيرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ أقطٍ أَوْ صَاعًا مِنْ طعامٍ أَوْ صَاعًا مِنْ دقيقٍ. وَهَذَا غَلَطٌ لِأَنَّ الْحَبَّ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ، وَهُوَ كَامِلُ الْمَنْفَعَةِ لِأَنَّهُ يَصْلُحُ لِلْبَذْرِ وَالطَّحْنِ وَالْهَرْسِ وَالِادِّخَارِ وَالدَّقِيقُ مَسْلُوبُ الْمَنَافِعِ إِلَّا الِاقْتِيَاتَ فَلَمْ يَجُزْ إِخْرَاجُهُ لِنَقْصِ مَنَافِعِهِ، فَأَمَّا الْحَدِيثُ فَقَدْ أَنْكَرَهُ أَبُو دَاوُدَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَالَ وَهِمَ فِيهِ سُفْيَانُ:
قال الشافعي رضي الله عنه: " وأحب إليّ لأهل البادية أن لا يؤدوا أقطاً لأنه وإن كان لهم قوتاً فالفث قوت وقد يقتات الحنظل والذي لا أشك فيه أنهم يؤدون من قوت أقرب البلدان بهم إلا أن يقتاتوا ثمرة لا زكاة فيها فيؤدون من ثمرةٍ فيها زكاةٌ ولو أدوا أقطاً لم أر عليهم إعادةً (قال المزني) قياس ما مضى أن يرى عليهم إعادةً لأنه لم يجعلها فيما يقتات إذا لم يكن ثمرةٌ فيها زكاة أو يجيز القوت وإن لم يكن فيه زكاةٌ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَمَّا أَهْلُ الْبَادِيَةِ فَزَكَاةُ الْفِطْرِ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِمْ، وَحُكِيَ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَرَبِيعَةَ وَعَطَاءٍ أَنَّ زَكَاةَ الْفِطْرِ غَيْرُ وَاجِبَةٍ عَلَيْهِمْ، وَهَذَا مَذْهَبٌ شَذُّوا بِهِ عَنِ الْإِجْمَاعِ، وَخَالَفُوا فِيهِ نَصَّ السُّنَّةِ، وَلَوْ جَازَ مَا قَالُوا مِنْ سُقُوطِ زَكَاةِ الْفِطْرِ عَنْهُمْ مَعَ قَوْلِهِ (عَلَى كُلِّ حُرٍّ وعبدٍ ذكرٍ وَأُنْثَى مِنَ الْمُسْلِمِينَ) لَجَازَ سُقُوطُ زَكَاةِ الْأَمْوَالِ عَنْهُمْ فَلَمَّا أَجْمَعُوا عَلَى خِلَافِهِ فِي زَكَوَاتِ الْأَمْوَالِ كَذَلِكَ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ عَلَيْهِمْ فَإِذَا ثَبَتَ وُجُوبُهَا عَلَيْهِمْ فَلَهُمْ فِيهَا حَالَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَقْتَاتُوا مَا يَقْتَاتُهُ أَهْلُ الْحَضَرِ فَعَلَيْهِمْ إِخْرَاجُ زَكَاةِ الْفِطْرِ مِنْهَا كَأَهْلِ الْحَضَرِ، وَلَيْسَ لَهُمْ إِخْرَاجُ الْأَقِطِ.
وَالْحَالَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَقْتَاتُوا الْأَقِطَ فَقَدْ رَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ قَالَ " كُنَّا نُخْرِجُ إِذْ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صَاعًا مِنْ تمرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شعيرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ زبيبٍ أَوْ صَاعًا مِنْ أقطٍ " وَرَوَى كَثِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو وعن أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ " فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تمرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شعيرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ زبيبٍ أَوْ صَاعًا مِنْ أقطٍ أَوْ صَاعًا مِنْ طعامٍ " فَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَصَحِيحٌ وَأَمَّا هَذَا فَضَعِيفٌ، فَإِنْ صَحَّ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ كَانَ يُخْرِجُ ذَلِكَ بِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَوْ بِعِلْمِهِ صَحَّ هَذَا الْحَدِيثُ فِي إِسْنَادِهِ فَإِنَّ لِأَهْلِ الْبَادِيَةِ إِخْرَاجُ الْأَقِطِ، قَوْلًا وَاحِدًا