تَعُولُ) ثُمَّ يَبْدَأُ بَعْدَ نَفْسِهِ بِزَوْجَتِهِ، لِأَنَّ نَفَقَةَ زَوْجَتِهِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى نَفَقَةِ أَقَارِبِهِ، فَكَذَا فِطْرَةُ نَفْسِهِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى فِطْرَةِ أَقَارِبِهِ، ثُمَّ يَبْدَأُ بَعْدَ زَوْجَتِهِ بِأَوْلَادِهِ الصِّغَارِ الْفُقَرَاءِ وَهُمْ مُقَدَّمُونَ عَلَى الْأَبِ، لِأَنَّ وُجُوبَ النَّفَقَةِ عَلَيْهِمْ بِنَصٍّ وَوُجُوبَ النَّفَقَةِ عَلَى الْأَبِ بِاسْتِدْلَالٍ، ثُمَّ يَبْدَأُ بَعْدَ أَوْلَادِهِ الصِّغَارِ بِأَبِيهِ وَهُوَ مُقَدَّمٌ على أمه، لأن نفقته في صغره قَدْ تَجِبُ عَلَى أَبِيهِ دُونَ أُمِّهِ، فَكَانَتْ نَفَقَةُ أَبِيهِ أَوْكَدَ مِنْ نَفَقَةِ أُمِّهِ، ثُمَّ يَبْدَأُ بَعْدَ أَبِيهِ بِأُمِّهِ وَهِيَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى كِبَارِ وَلَدِهِ، لِقُوَّةِ حُرْمَتِهَا بِالْوِلَادَةِ ثُمَّ أَوْلَادِهِ الْكِبَارِ الْفُقَرَاءِ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مَا وَجَدَهُ بَعْدَ قُوتِهِ أَقَلَّ مِنْ صَاعٍ، فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، وَمَا ذَكَرَهُ مَنْصُوصًا فِي بَعْضِ كُتُبِهِ أَنَّ عَلَيْهِ إِخْرَاجَهُ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ الْعَجْزَ عَنْ بَعْضِ الْوَاجِبَاتِ لَا يُسْقِطُ مَا بَقِيَ مِنْهَا، وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ لِبَعْضِ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إِخْرَاجُهُ كَالْكَفَّارَةِ الَّتِي لَا يَلْزَمُ إِخْرَاجُ بَعْضِهَا، إِذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى جَمِيعِهَا وَهَذَا غَلَطٌ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أن الكفارة ترجع فِيهَا إِلَى بَدَلٍ فَلَمْ يَلْزَمْهُ إِخْرَاجُ بَعْضِهَا، وَالْفِطْرَةُ لَا يَرْجِعُ فِيهَا إِلَى بَدَلٍ فَلَزِمَهُ إِخْرَاجُ بَعْضِهَا.
وَالثَّانِي: أَنَّ إِخْرَاجَ بَعْضِ الصَّاعِ قَدْ يَجِبُ فِي الْعَبْدِ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ، فَوَجَبَ إِخْرَاجُهُ لِجَوَازِ تَبْعِيضِهِ وَالْكَفَّارَةُ لَا يَجُوزُ تَبْعِيضُهَا فلم يجز إخراج بعضها.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: " فَإِنْ كَانَ أحدٌ ممن يقوت واجداً لزكاة الْفِطْرِ لَمْ أُرَخِّصْ لَهُ فِي تَرْكِ أَدَائِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَلَا يَبِينُ لِي أَنْ تَجِبَ عَلَيْهِ لِأَنَّهَا مَفْرُوضَةٌ عَلَى غَيْرِهِ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: اعْلَمْ أَنَّ الشَّافِعِيَّ أَرَادَ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الزَّوْجَةَ دُونَ الْأَقَارِبِ لِأَنَّ الزَّوْجَةَ تَلْزَمُ نَفَقَتُهَا وَزَكَاةُ فِطْرِهَا مَعَ وُجُودِ ذَلِكَ فِي مِلْكِهَا، وَالْأَقَارِبُ لَا يَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُمْ، وَزَكَاةُ فِطْرِهِمْ مَعَ وُجُودِ ذَلِكَ فِي مِلْكِهِمْ، فَإِذَا كَانَ الزَّوْجُ مُعْسِرًا بِزَكَاةِ فِطْرِهَا سَقَطَتْ عَنْهُ كَمَا سَقَطَتْ عَنْهُ فِطْرَةُ نَفْسِهِ، ثُمَّ مَنْصُوصُ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهَا وَإِنْ كَانَتْ مُوسِرَةً بِهَا، لِأَنَّهَا مَفْرُوضَةٌ عَلَى غَيْرِهَا لَكِنْ يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ لَهَا لِخِلَافِ النَّاسِ فِيهَا، وَفِيهَا وَجْهٌ آخَرُ، أَنَّ عَلَيْهَا إِخْرَاجَ الْفِطْرَةِ عَنْ نَفْسِهَا إِذَا قِيلَ: إِنَّهَا وَجَبَتْ عَلَيْهَا ثُمَّ يَحْمِلُ الزَّوْجُ عَنْهَا وَيَخْرُجُ مِنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي سَيِّدِ الْأَمَةِ إِذَا زَوَّجَهَا لِمُعْسِرٍ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ فِي آخر هذا الباب.
مسألة:
قال الشافعي رضي الله عنه: " وَإِنْ زَوَّجَ أَمَتَهُ عَبْدًا أَوْ مُكَاتَبًا فَعَلَيْهِ أن يؤدي عنها فإن زَوْجُهَا حُرًّا فَعَلَى الْحُرِّ الزَّكَاةُ عَنِ امْرَأَتِهِ فَإِنْ كَانَ مُحْتَاجًا فَعَلَى سَيِّدِهَا فَإِنْ لَمْ يُدْخِلْهَا عَلَيْهِ، أَوْ مَنَعَهَا مِنْهُ فَعَلَى السَّيِّدِ ".