: وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّالِثُ: وَهُوَ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، وَقَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَفِيهِ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ الْقَدِيمُ أَنَّهُ قَدْ مَاتَ قَبْلَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ عَلَيْهِ اعْتِبَارًا بِطُلُوعِ الْفَجْرِ فعلى هذا تكون فطرة نفسه غير وَاجِبَةً بِحَالٍ، وَفِطْرَةُ رَقِيقِهِ وَاجِبَةٌ عَلَى وَرَثَتِهِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: وَهُوَ الْجَدِيدُ أَنَّهُ قَدْ مَاتَ بَعْدَ وُجُوبِ الْفِطْرَةِ عَلَيْهِ اعْتِبَارًا بِغُرُوبِ الشَّمْسِ، فَتَكُونُ فِي مَالِهِ فِطْرَةُ نَفْسِهِ، وَفِطْرَةُ رَقِيقِهِ فَيَكُونُ عَلَى مَا مَضَى فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ والله أعلم.
قال الشافعي رضي الله عنه: " ولو أوصى لرجل بعبدٍ يَخْرُجُ مِنَ الثُّلُثِ، فَمَاتَ ثُمَّ أَهَلَّ شوال أوقفنا زكاته فإن قيل فَهِيَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ خَرَجَ إِلَى مِلْكِهِ وَإِنْ رُدَّ فَهِيَ عَلَى الْوَارِثِ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ مِلْكِهِ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَصُورَتُهَا: فِي رَجُلٍ وَصَّى بِعَبْدِهِ لِرَجُلٍ ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ شَوَّالٍ، وَالْعَبْدُ يَخْرُجُ مِنْ ثُلْثِهِ ثُمَّ أَهَلَّ شَوَّالٌ قَبْلَ قَبُولِ الْمُوصَى لَهُ فَزَكَاةُ فِطْرِهِ غَيْرُ واجبة على الميت الموصي بموته قَبْلَ وُجُوبِهَا، وَإِنَّمَا تَجِبُ عَلَى مَنْ أَهَلَّ شَوَّالٌ وَهُوَ فِي مِلْكِهِ وَاخْتَلَفَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْوَصِيَّةِ مَتَى يَمْلِكُهَا الْمُوصَى لَهُ عَلَى قولين:
أحدهما: أنه يملكها لقبوله فَإِذَا قَبِلَ مِلْكَهَا حِينَئِذٍ فَعَلَى هَذَا فِطْرَةُ الْعَبْدِ عَلَى الْوَرَثَةِ سَوَاءٌ قَبِلَ الْمُوصَى لَهُ أَمْ لَمْ يَقْبَلْ لِأَنَّهُ كَانَ عَلَى مِلْكِهِمْ قَبْلَ قَبُولِهِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ قَبُولَهُ يُنْبِئُ عن ملك سابق، فإذا قبل أَنَّهُ كَانَ مَالِكًا لَهُ مِنْ حِينِ مَاتَ الْمُوصِي فَعَلَى هَذَا عَلَيْهِ زَكَاةُ فِطْرِهِ إِنْ قَبِلَ، وَعَلَى الْوَرَثَةِ إِنْ لَمْ يَقْبَلْ، وَحَكَى ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ عَنِ الشَّافِعِيِّ قَوْلًا ثَالِثًا إِنَّ الْوَصِيَّةَ تَدْخُلُ فِي مِلْكِ الْمُوصَى لَهُ بِمَوْتِ الْمُوصِي قَبِلَ أَوْ لَمْ يَقْبَلْ كَالْمِيرَاثِ فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي تَخْرِيجِهِ، فَكَانَ أَبُو سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيُّ يُعِدُّهُ قَوْلًا ثَالِثًا، فَعَلَى هَذَا تَجِبُ زكاة الفطر عَلَى الْمُوصَى لَهُ سَوَاءٌ قَبِلَ أَوْ لَمْ يَقْبَلْ، وَامْتَنَعَ سَائِرُ أَصْحَابِنَا مِنْ تَخْرِيجِهِ، وَأَنْكَرُوهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ يُعْرَفُ لِلشَّافِعِيِّ فِي سَائِرِ كُتُبِهِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مِنْ تَصْرِيحٍ، أَوْ تَلْوِيحٍ وَمَوْضِعُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ فِي كِتَابِ " الْوَصَايَا " إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
فَصْلٌ
: إِذَا أَوْصَى رَجُلٌ بِرَقَبَةِ عَبْدِهِ لِرَجُلٍ، وَبِمَنْفَعَتِهِ لِآخَرَ فَمَنْصُوصُ الشَّافِعِيِّ فِي كِتَابِ " الْأُمِّ " أَنَّ زَكَاتَهُ وَنَفَقَتَهُ عَلَى مَالِكِ الرَّقَبَةِ لِأَنَّ النَّفَقَةَ وَالْفِطْرَةَ تَجِبُ بِالْمِلْكِ لَا بالمنفعة ألا ترى أن العبد المؤاجر نَفَقَتُهُ، وَزَكَاةُ فِطْرِهِ عَلَى السَّيِّدِ مَالِكِ الرَّقَبَةِ دُونَ الْمُسْتَأْجِرِ مَالِكِ الْمَنْفَعَةِ.