فَعِتْقُهُ عَلَيْهِ نَافِذٌ، وَصَدَقَةُ فِطْرِهِ لَازِمَةٌ سَوَاءً دَفَعَ ثَمَنَهُ أَمْ لَا، وَإِنْ كَانَ بِخِيَارٍ فَهُوَ عَلَى الْأَقَاوِيلِ وَلِلْكَلَامِ مَعَ ابْنِ خَيْرَانَ موضع غير هذا.
قال الشافعي رضي الله عنه: " قال وَلَوْ مَاتَ حِينَ أَهَلَّ شَوَّالٌ وَلَهُ رَقِيقٌ فَزَكَاةُ الْفِطْرِ عَنْهُ وَعَنْهُمْ فِي مَالِهِ مبدأةٌ على الدين وغيره من ميراث ووصايا ولو ورثوا رقيقاً ثم أهل شوال فعليهم زكاتهم بقدر مواريثهم ولو مات قبل شوال وعليه دين زكى عنهم الورثة لأنهم في ملكهم ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: إِذَا مَاتَ الرَّجُلُ وَتَركَ رَقِيقًا لَمْ يَخْلُ حَالُ مَوْتِهِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ إِمَّا أَنْ يَكُونَ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ شَوَّالٍ، أَوْ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ لَيْلَةِ شَوَّالٍ أَوْ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، وَقَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَأَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: وَهُوَ أَنْ يَمُوتَ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَقَدْ وَجَبَتْ زَكَاةُ الْفِطْرِ فِي مَالِهِ عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ رَقِيقِهِ، وَلَا تَسْقُطُ عَنْهُ بِمَوْتِهِ وَكَذَا الْعُشُورُ وَالزَّكَوَاتُ وَالْكَفَّارَاتُ لَا تَسْقُطُ بِالْمَوْتِ بَعْدَ وُجُوبِهَا، وَقَالَ أبو حنيفة: يسقط بِالْمَوْتِ الْكَفَّارَاتُ، وَجَمِيعُ الزَّكَوَاتِ إِلَّا الْعُشْرَ احْتِجَاجًا بِمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ أشهد أن مَنْ فَرَّطَ فِي إِخْرَاجِ الزَّكَاةِ حَتَّى حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ، فَإِنَّهُ يَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى الرَّجْعَةَ وَابْنُ عَبَّاسٍ لَا يَقْطَعُ بِمِثْلِ هَذَا الْمُغَيَّبِ الَّذِي لَا يَسُوغُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ إِلَّا عَنْ تَوْقِيفٍ، وَإِذَا كَانَ تَوْقِيفًا، وَالرَّجْعَةُ لَا تُسْأَلُ إِلَّا فيما يُمْكِنُ تَلَافِيهِ ثَبَتَ أَنَّ إِخْرَاجَ الزَّكَاةِ عَنْهُ بَعْدَ وَفَاتِهِ لَا تَصِحُّ، وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ إِخْرَاجُهَا بَعْدَ الْمَوْتِ بَطَلَ وُجُوبُهَا بِالْمَوْتِ، قَالَ وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ إِذَا حَضَرَتْهُ جِنَازَةٌ سَأَلَ عَنْ صَاحِبِهَا هل عليه دين، فإن قَالُوا نَعَمْ امْتَنَعَ مِنَ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ لِأَنَّ الدَّيْنَ لَا يَسْقُطُ بِالْمَوْتِ، فَلَوْ كَانَتِ الزَّكَاةُ ك " الدين " لا يسقط بِالْمَوْتِ لَسَأَلَ عَنْهَا، وَامْتَنَعَ مِنَ الصَّلَاةِ عَلَى صاحبها قالوا: وَلِأَنَّهَا عِبَادَةٌ مَحْضَةٌ فَوَجَبَ أَنْ تَسْقُطَ بِالْمَوْتِ كَالصَّلَاةِ، وَالدَّلَالَةُ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى: {خُذْ مِنْ أمْوَالِهِمْ صَدَقَةً) {التوبة: 103) فَدَلَّ عَلَى وُجُوبِ الْأَخْذِ حَالَ الْحَيَاةِ وَبَعْدَ الْمَوْتِ، وَلِأَنَّهُ مَالٌ ثَبَتَ وُجُوبُهُ فِي حَالِ الْحَيَاةِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَسْقُطَ بِالْوَفَاةِ كَالدَّيْنِ، وَلِأَنَّهُ حَقٌّ يَجِبُ صَرْفُهُ إِلَى أَهْلِ الصَّدَقَاتِ، فَوَجَبَ أَنْ لَا يَسْقُطَ بِالْوَفَاةِ كَالْعُشْرِ، فَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فَهُوَ حُجَّةٌ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ وَثُبُوتِهَا بَعْدَ الْوَفَاةِ لِأَنَّهُ سَأَلَ الرَّجْعَةَ لِإِخْرَاجِهَا، فَلَوْ كَانَتْ بِالْمَوْتِ سَاقِطَةً لَمْ يَحْتَجْ إِلَى سُؤَالِ الرَّجْعَةِ، فَأَمَّا سُؤَالُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَنْ دُيُونِ الْمَوْتَى دُونَ الزَّكَوَاتِ، فَلِأَنَّ الْغَالِبَ مِنَ الزَّكَوَاتِ وُجُوبُهَا عَلَى ذَوِي الْأَمْوَالِ، وَأَهْلِ الْيَسَارِ، وَهُوَ لَمْ يَكُنْ لِيَسْأَلَ إِلَّا عَنِ الْمَعْدُومِينَ مِنْ ذَوِي الْإِعْسَارِ.
وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى الصَّلَاةِ فَالصَّلَاةُ غَيْرُ سَاقِطَةٍ عَنْهُ كَالْحَجِّ وَهُوَ يَلْقَى اللَّهَ يَوْمَ يَلْقَاهُ، وَهِيَ عَلَيْهِ وَاجِبَةٌ لَكِنْ لَمَّا لَمْ تَصِحَّ النِّيَابَةُ فِيهَا لَمْ يمكن المطالبة بها.