قال الشافعي رحمه الله تعالى: " وإذا كَانَتْ لَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ وَعَلَيْهِ مِثْلُهَا فَاسْتَعْدَى عَلَيْهِ السُّلْطَانَ قَبْلَ الْحَوْلِ وَلَمْ يَقْضِ عَلَيْهِ بِالدَّيْنِ حَتَى حَالَ الْحَوْلُ أَخْرَجَ زَكَاتَهَا ثُمَّ قَضَى غُرَمَاءُهُ بَقِيَّتَهَا ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ إِذَا كَانَ مَعَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ نَقْدًا، وَعَلَيْهِ مِثْلُهَا دَيْنًا فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَمْلِكَ عَرَضًا أَوْ عَقَارًا بِقِيمَةِ الْمِائَتَيْنِ الدَّيْنِ فَهَذَا عَلَيْهِ زَكَاةُ الْمِائَتَيْنِ الَّتِي بِيَدِهِ لَا يَخْتَلِفُ
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ لَا يَمْلِكَ سِوَى الْمِائَتَيْنِ الَّتِي بِيَدِهِ، وَقَدْ حَالَ حَوْلُهَا وَعَلَيْهِ مِثْلُهَا، فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ مَا عَلَيْهِ مِنَ الدَّيْنِ مُؤَجَّلًا، فَعَلَيْهِ زَكَاةُ مَا بِيَدِهِ، لَا يَخْتَلِفُ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مَا عَلَيْهِ مِنَ الدَّيْنِ حَالًّا، فَفِي وُجُوبِ زَكَاةِ مَا بِيَدِهِ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْقَدِيمِ، وَفِي اخْتِلَافِ الْعِرَاقِيِّينَ من الْجَدِيدِ أَنَّ مَا عَلَيْهِ مِنَ الدَّيْنِ يَمْنَعُ وُجُوبَ زَكَاتِهَا، فَلَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةِ، وَبِهِ قَالَ مِنَ الصَّحَابَةِ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَمِنَ التَّابِعِينَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ.
وَمِنَ الْفُقَهَاءِ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، وَالثَّوْرِيُّ وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ دُونَ مَا سِوَاهُمَا، وَقَوْلُ أبي حنيفة فِي الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَالْمَوَاشِي دُونَ مَا عداهما.
والقول الثاني: نص عليه في الجديد إن الدَّيْنَ لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ زَكَاتِهَا وَإِنَّ الزَّكَاةَ فِيهَا وَاجِبَةٌ.
وَبِهِ قَالَ رَبِيعَةُ بْنُ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَحَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ وَهُوَ أَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ، وَبِهِ تَقَعُ الْفَتْوَى.
وَاسْتَدَلَّ مَنْ قَالَ بِالْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أُمِرْتُ أَنْ آخُذَ الصَّدَقَةَ مِنْ أَغْنِيَائِكُمْ فَأَرُدَّهَا في فقرائكم " ومنه دليلان: