وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ يَكُونُ مَالِكًا لَهُ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ كَالْمَالِ الْمَغْصُوبِ، هَلْ تَجْرِي فِيهِ الزَّكَاةُ أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: لَا تَجْرِي فِيهِ الزَّكَاةُ فَعَلَى هَذَا إِذَا قَبَضَهُ اسْتَأْنَفَ حَوْلَهُ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: تَجْرِي فِيهِ الزَّكَاةُ فَعَلَى هَذَا يَبْنِي حَوْلَهُ عَلَى حَوْلِ الْعَرَضِ فَإِذَا حَالَ حَوْلُهُ وقبضه أخرج زكاته.
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ:
إِذَا مَلَكَ عَبِيدًا لِلتِّجَارَةِ وَجَبَتْ عَلَيْهِ زَكَاةُ التِّجَارَةِ فِي قِيمَتِهِمْ وَزَكَاةُ الْفِطْرِ فِي رَقَبَتِهِمْ إِذَا كَانُوا مُسْلِمِينَ.
وَقَالَ أبو حنيفة: تَجِبُ زَكَاةُ التِّجَارَةِ، وتسقط زكاة الفطر لأنهما زكاتان، فلم يجب اجْتِمَاعُهُمَا فِي مَالٍ كَسَائِمَةِ الْمَاشِيَةِ إِذَا اشْتَرَاهَا لِلتِّجَارَةِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَجْتَمِعَ فِيهَا زَكَاةُ التِّجَارَةِ فِي قِيمَتِهَا، وَزَكَاةُ السَّوْمِ فِي رَقَبَتِهَا.
وَدَلِيلُنَا عُمُومُ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " عَفَوْتُ لَكُمْ عَنْ صَدَقَةِ الْخَيْلِ وَالرَّقِيقِ إِلَّا صَدَقَةَ الْفِطْرِ فِي الرَّقِيقِ " وَلِأَنَّ زَكَاةَ التِّجَارَةِ تَجِبُ فِي الْقِيمَةِ، بِدَلِيلِ أَنَّهَا تَزِيدُ بِزِيَادَتِهَا، وَتَنْقُصُ بِنَقْصِهَا، وَزَكَاةُ الْفِطْرِ تَجِبُ عَنِ الرَّقَبَةِ بدليل أنها تجب عن الحرم، والعبد وإذا اختلف سبب وجوبها لَمْ يَمْتَنِعِ اجْتِمَاعُهُمَا، كَالصَّيْدِ الْمَمْلُوكِ إِذَا قَتَلَهُ الْمُحْرِمُ وَجَبَتْ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ لِمَالِكِهِ بِحَقِّ مِلْكِهِ، وَجَزَاؤُهُ لِلَّهِ تَعَالَى بِهِ لَا عَنْ رَقَبَتِهِ وَكَحَدِّ الزِّنَا وَشُرْبِ الْخَمْرِ، وَبِهَذَا الِاسْتِدْلَالِ يَبْطُلُ ما احتج به من ينافي زَكَاةَ التِّجَارَةِ وَزَكَاةَ الْعَيْنِ، لِأَنَّ سَبَبَ وُجُوبِهِمَا وَاحِدٌ، وَتَحْرِيرُ ذَلِكَ، أَنَّهُمَا حَقَّانِ يَخْتَلِفُ سَبَبُ وُجُوبِهِمَا فَوَجَبَ أَنْ لَا يَسْقُطَ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ كالصيد المملوك والحدين المختلفين، ولأن لَمَّا لَمْ يَمْتَنِعْ أَنْ يَجْتَمِعَ فِي مَالِ السَّيِّدِ زَكَاةُ الْفِطْرِ عَنْ رَقَبَتِهِ، وَزَكَاةُ الْعَيْنِ عَنْ مَالِهِ لَمْ يَمْتَنِعْ، أَنْ يَجْتَمِعَ فِي مَالِهِ زَكَاةُ الْفِطْرِ عَنْ رَقَبَةِ عَبْدِهِ وَزَكَاةُ التجارة عن قيمته، ولأن زَكَاةِ الْفِطْرِ وَجَبَتْ بِالنَّصِّ مَعَ انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ عَلَيْهَا، وَزَكَاةُ التِّجَارَةِ وَجَبَتْ بِالِاجْتِهَادِ مَعَ حُصُولِ الخلاف فيها، فلو جاز إسقاط إحديهما بِالْأُخْرَى لَكَانَ إِسْقَاطُ زَكَاةِ التِّجَارَةِ بِالْفِطْرِ أَوْلَى مِنْ إِسْقَاطِ زَكَاةِ الْفِطْرِ بِالتِّجَارَةِ، كَمَا قُلْنَا فِي الْخَرَاجِ الْمَضْرُوبِ عَلَى الْأَرْضِ، وَالْعُشْرِ الْوَاجِبِ عَلَى الزَّرْعِ فَلَمَّا بَطَلَ هَذَا بَطَلَ ذَاكَ والله أعلم.