إعارته على أنها قضايا في أعيان يُسْتَدَلُّ بِهَا عَلَى الْإِطْلَاقِ مَعَ إِمْكَانِ حَمْلِهَا عَلَى حُلِيٍّ مَحْظُورٍ أَوْ لِلتِّجَارَةِ، وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ على الدراهم والدنانير فالمعنى فيها إِرْصَادُهُمَا لِلنَّمَاءِ فَلِذَلِكَ وَجَبَتْ زَكَاتُهُمَا، وَالْحُلِيُّ غَيْرُ مُرْصَدٍ لِلنَّمَاءِ فَلَمْ تَجِبْ زَكَاتُهُ، أَلَا تَرَى أَنَّ عُرُوضَ التِّجَارَةِ لَمَّا أُرْصِدَتْ لِلنَّمَاءِ وَجَبَتْ زكاتها، ولو أعدت للقينة ولم ترصد للنماء وجبت زكاتها، وكذا الحلي والله أعلم.
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَا كَانَ مِنَ الْحُلِيِّ مَحْظُورًا فَزَكَاتُهُ وَاجِبَةٌ، وَمَا كَانَ مِنْهُ مُبَاحًا فَفِي وُجُوبِ زَكَاتِهِ قَوْلَانِ، وَنَحْنُ الآن نذكر الْمُبَاحَ مِنَ الْمَحْظُورِ، وَالْمُبَاحُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:
أَحَدُهُمَا: مَا أُبِيحُ لِلرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ.
وَالثَّانِي: مَا أُبِيحُ لِلنِّسَاءِ دُونَ الرِّجَالِ.
وَالثَّالِثُ: مَا أُبِيحُ لَهُمَا، فَأَمَّا الْمُبَاحُ لِلرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ فَحِلْيَةُ السَّيْفِ وَالْمِنْطَقَةُ بِالْفِضَّةِ دُونَ الذَّهَبِ، لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ لِسَيْفِهِ قَبِيعَةٌ مِنْ فِضَّةٍ، وَلِأَنَّ فِي ذَلِكَ غَيْظًا لِلْمُشْرِكِينَ وَإِعْزَازًا لِلْمُسْلِمِينَ، وَكَذَا حِلْيَةُ الدِّرْعِ وَالْجَوْشَنِ بِالْفِضَّةِ دُونَ الذَّهَبِ، فَهَذَا كُلُّهُ مُبَاحٌ وَفِي زَكَاتِهِ قَوْلَانِ: فَإِنْ كَانَ مِنْ ذَهَبٍ كَانَ مَحْظُورًا وَزَكَاتُهُ وَاجِبَةٌ، فَأَمَّا حِلْيَةُ اللِّجَامِ بِالْفِضَّةِ فَقَدْ ذَكَرْنَا فِيهِ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: مَحْظُورٌ وَفِيهِ الزَّكَاةُ، وَبِهِ قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ وَأَبُو إِسْحَاقَ، لِأَنَّهُ حِلْيَةٌ لِفَرَسِهِ لَا لِنَفْسِهِ.
وَالثَّانِي: مُبَاحٌ كَالسَّيْفِ وَالْمِنْطَقَةِ، وَبِهِ قَالَ أَبُو الطَّيِّبِ بْنُ سَلَمَةَ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - جَمَلٌ فِي أَنْفِهِ بُرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ، وَقِيلَ مِنْ فِضَّةٍ، وَكَانَ الْجَمَلُ لِأَبِي جَهْلٍ، وَلِأَنَّ فِي ذَلِكَ غَيْظًا لِلْمُشْرِكِينَ، فَهَذَا كُلُّهُ مُبَاحٌ لِلرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ فَإِنِ اتَّخَذَهُ النِّسَاءُ كَانَ مَحْظُورًا وَوَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ.