قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ.
إِذَا كَانَتْ ثَمَرَتُهُ لا تصير تمراً فاستهلكها رطباً فلا يَلْزَمُهُ مِثْلُ عُشْرِهَا رُطَبًا، لِأَنَّ الرُّطَبَ لَا مِثْلَ لَهُ، فَإِنْ أَكَلَهَا قَبْلَ خَرْصِهَا عَلَيْهِ رُجِعَ فِي قَدْرِهَا إِلَيْهِ، فَإِنِ اتُّهِمَ أُحْلِفَ اسْتِظْهَارًا، وَإِنْ أَكَلَهَا بَعْدَ الْخَرْصِ أُخِذَ مِنْهُ قِيمَةُ عُشْرِ خَرْصِهَا رُطَبًا، فَإِنْ ذَكَرَ زِيَادَةً عَنِ الْخَرْصِ أَوِ ادَّعَى نُقْصَانًا مُحْتَمَلًا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِيهِ، لِأَنَّهُ أَمِينٌ، فَإِنِ اتُّهِمَ أحلف وفي هذا اليمين وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: وَاجِبَةٌ.
وَالثَّانِي: اسْتِظْهَارٌ.
قَالَ الشافعي: " وَمَا قُلْتُ فِي التَّمْرِ فَكَانَ فِي الْعِنَبِ فَهُوَ مِثْلُهُ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهُوَ كَمَا قَالَ.
حُكْمُ التَّمْرِ وَالْعِنَبِ سَوَاءٌ فِي الزَّكَاةِ وَأَحْكَامِهَا وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ مَسَائِلِهَا، لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - جَمَعَهُمَا فِي الْخَبَرِ وَشَبَّهَ أَحَدَهُمَا بِالْآخَرِ.
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: اعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ: " وَأُحِبُّ أَنْ يَكُونَ خَارِصَانِ أَوْ أَكْثَرُ " دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْخَارِصَ الْوَاحِدَ يُجْزِئُ، وَقَوْلُهُ: وَقَدْ قيل يجوز أن يكون خارص دليل على أن الْخَارِصَ الْوَاحِدَ لَا يُجْزِئُ، فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيمَنْ يَصِحُّ الْخَرْصُ بِهِ، فَكَانَ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ سُرَيْجٍ وَأَبُو سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيُّ يَقُولَانِ: يَجُوزُ خَارِصٌ وَاحِدٌ وَلَيْسَ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلٌ آخَرُ، وَكَانَ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ وَأَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ يَقُولَانِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى قَوْلَيْنِ، وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ أَصْحَابِنَا أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ إِلَّا خَارِصَانِ لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ يَبْعَثُ مَعَ ابْنِ رَوَاحَةَ غَيْرَهُ، وَقَدْ قِيلَ بَعَثَ مَعَهُ سَهْلَ بْنَ أَبِي حَثْمَةَ، فَإِذَا كَانَ جَوَازُ الْخَرْصِ حُكْمًا مُسْتَفَادًا بِالشَّرْعِ وَجَبَ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ عَلَى مَا وَرَدَ الشَّرْعُ بِهِ، وَلِأَنَّ الْخَرْصَ اجْتِهَادٌ فِي مَعْرِفَةِ الْقَدْرِ وَتَمْيِيزِ الْحُقُوقِ فَشَابَهَ التَّقْوِيمَ وَخَالَفَ الْكَيْلَ وَالْوَزْنَ، لِأَنَّهُمَا يَقِينٌ لَا اجْتِهَادَ فِيهِمَا، فَلَمَّا ثَبَتَ أن التقويم لا يجزئ فيه إلا مقومان فكذا الْخَرْصُ لَا يُجْزِئُ فِيهِ إِلَّا خَارِصَانِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: يُجْزِئُ خَارِصٌ وَاحِدٌ لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَعَثَ ابْنَ رَوَاحَةَ خَارِصًا فَخَرَصَ خَيْبَرَ وَقَالَ: " إِنْ شِئْتُمْ فَلَكُمْ وَإِنْ شِئْتُمْ فَلِي ".
وَرُوِيَ أنه بعث معه غيره، فلو أن الاثنان شرطاً لما بعثه منفرداً، ولو كان شَرْطًا فِي عَامٍ لكَانَا شَرْطًا فِي كُلِّ عَامٍ، وَلِأَنَّ الْخَارِصَ مُجْتَهِدٌ فِي تَقْدِيرِ الْحُقُوقِ وَتَنْفِيذُ الْحُكْمِ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ