الحاوي الكبير (صفحة 1145)

وَتَحْرِيرُ ذَلِكَ قِيَاسًا أَنَّهُ أَحَدُ مُقَدَّرِي الزَّكَاةِ فوجب أن لا يقيم غير مَقَامَهُ، وَإِنْ كَانَ فِي مَعْنَاهُ كَالنِّصَابِ، وَلِأَنَّ الزَّكَاةَ تَشْتَمِلُ عَلَى مَالٍ مُزَكًّى وَقَدْرٍ مُؤَدًّى، فَلَمَّا كَانَ الْمَالُ الْمُزَكَّى مَخْصُوصًا فِي بَعْضِ الْأَمْوَالِ دُونَ بَعْضٍ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْقَدْرُ الْمُؤَدَّى مَخْصُوصًا فِي بَعْضِ الْأَمْوَالِ دُونَ بَعْضٍ.

مسألة:

وَتَحْرِيرُ ذَلِكَ قِيَاسًا: أَنَّهُ أَحَدُ نَوْعَيِ الزَّكَاةِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ فِي مَالٍ مَخْصُوصٍ كَالْمَالِ الْمُزَكَّى، فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ " اغْنُوهُمْ عَنِ الْمَسْأَلَةِ فِي هَذَا الْيَوْمِ " فَهُوَ مُجْمَلٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ قَدْرَ مَا يَسْتَغْنُونَ بِهِ، وَلَا جِنْسَهُ، وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ عُمَرَ مُفَسَّرًا، فَكَانَ الْأَخْذُ بِهِ أَوْلَى.

وَأَمَّا الِاحْتِجَاجُ بِقَوْلِهِ " فَإِنْ لَمْ تَكُنِ ابْنَةُ مَخَاضٍ فَابْنُ لَبُونٍ ذَكَرٌ " فَهُوَ دَلَالَةٌ عَلَيْهِمْ مِنْ وَجْهَيْنِ ذَكَرْنَاهُمَا.

وَأَمَّا احْتِجَاجُهُمْ بِحَدِيثِ مُعَاذٍ فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ، لِأَنَّهُ وَارِدٌ فِي الْجِزْيَةِ لَا فِي الزَّكَاةِ، أَلَا تَرَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ فِي الزَّكَاةِ مِنَ الْحَبِّ حَبًّا، ثُمَّ عَقَّبَ ذَلِكَ بِالْجِزْيَةِ فَقَالَ: خُذْ من كل حالم ديناراً أو عد له مِنْ مَعَافِرِ الْيَمَنِ. فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ قَالَ مُعَاذٌ " آخُذُهُ مِنْكُمْ مَكَانَ الذُّرَةِ وَالشَّعِيرِ " وَذَلِكَ غَيْرُ وَاجِبٍ فِي الْجِزْيَةِ، قِيلَ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُعَاذٌ عَقَدَ مَعَهُمُ الْجِزْيَةَ عَلَى أَخْذِ الشعير من زروعهم، يُوَضِّحُ أَنَّ ذَلِكَ مِنَ الْجِزْيَةِ لَا مِنَ الزَّكَاةِ أَنَّ مُعَاذًا قَالَ فَإِنَّهُ أَنْفَعُ لِلْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ بِالْمَدِينَةِ، وَالزَّكَاةُ لَا يَجُوزُ نَقْلُهَا مِنْ جِيرَانِ الْمَالِ إِلَى غَيْرِهِمْ، سِيَّمَا عِنْدَ مُعَاذٍ الَّذِي يَقُولُ أَيُّمَا رَجُلٍ انْتَقَلَ مِنْ مِخْلَافِ عَشِيرَتِهِ إِلَى غَيْرِ مِخْلَافِ عَشِيرَتِهِ فَعُشْرُهُ وَصَدَقَتُهُ فِي مِخْلَافِ عَشِيرَتِهِ. فَثَبَتَ أَنَّ ذَلِكَ فِي الْجِزْيَةِ الَّتِي يَجُوزُ نَقْلُهَا.

وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى مَالِ التِّجَارَةِ فَغَيْرُ صَحِيحٍ، لِأَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ في قيمة الفرض، وتخرج زكاة القيمة إلا أنها تجب في الفرض وتخرج قيمة الغرض، وإن قِيَاسُهُمْ عَلَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فَبَاطِلٌ بِإِخْرَاجِ نِصْفِ صَاعٍ عَنْ صَاعٍ، وَشَاةٍ عَنْ شَاتَيْنِ، ثُمَّ الْمَعْنَى فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ، فَلِذَلِكَ جَازَ إِخْرَاجُهُ، وَلَيْسَتِ الْقِيمَةُ مَنْصُوصًا عَلَيْهَا فَلِذَلِكَ لَمْ يَجُزْ إِخْرَاجُهَا، وَأَمَّا قَوْلُهُمْ لَمَّا جَازَ الْعُدُولُ مِنَ الْعَيْنِ إِلَى الْجِنْسِ جَازَ الْعُدُولُ مِنْ جِنْسٍ إِلَى جِنْسٍ، فَهَذَا قِيَاسُ الْعَكْسِ، عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ أَنْ يُزَكِّيَ مِنْ جِنْسِ مَالِهِ لَا مِنْ عَيْنِ مَالِهِ فَلَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ عَادِلًا عَمَّا وَجَبَ عَلَيْهِ إلى غيره.

مسألة:

قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَوْ أَخْرَجَ عَشْرَةَ دَرَاهِمَ فَقَالَ إِنْ كَانَ مالي الغائب سالما فهذه زكاته أو نافلة فكان ماله سالماً لم يجزئه لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ بِالنِّيَّةِ قَصْدَ فَرْضٍ خَالِصٍ إِنَّمَا جَعَلَهَا مُشْتَرَكَةً بَيْنَ فَرْضٍ ونافلةٍ وَلَوْ قَالَ عَنْ مَالِي الْغَائِبِ إِنْ كَانَ سَالِمًا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَالِمًا فَنَافِلَةٌ أَجَزَأَتْ عَنْهُ لِأَنَّ إِعْطَاءَهُ عَنِ الْغَائِبِ هَكَذَا وَإِنْ لَمْ يقله ".

طور بواسطة نورين ميديا © 2015