أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ: لَيْسَ لِلْوَالِي أَنْ يَسْتَسْلِفَ لِغَيْرِ الْبَالِغِينَ مِنَ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ، فَإِنْ فَعَلَ كَانَ ضَامِنًا، لِأَنَّ لَهُمْ حقاً في خمس الخمس وسهماً فيه ليستغنون بِهِ عَنْ غَيْرِهِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أبي هريرة: ليس لَهُ أَنْ يَسْتَسْلِفَ لَهُمْ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إِنْ تَلِفَ، لِأَنَّهُمْ مِمَّنْ يَسْتَحِقُّونَ أَخْذَ الزَّكَاةِ عند وجوبها فجاز تعجيلها فيهم قَبْلَ وُجُوبِهَا كَالْبَالِغِينَ، وَلِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ لِلْوَالِي النظر على الْبَالِغِينَ مِنْهُمْ فَلَأَنْ يَكُونَ لَهُ النَّظَرُ عَلَى أَيْتَامِهِمْ أَوْلَى، وَيَقُومُ نَظَرُهُ لَهُمْ عِنْدَ الْحَاجَةِ مَقَامَ إِذْنِهِمْ فِي التَّعْجِيلِ وَمَسْأَلَتِهِمْ.
: وَإِنْ سَأَلَهُ رَبُّ الْمَالِ أَنْ يَتَعَجَّلَ مِنْهُ وَسَأَلَهُ أَهْلُ السُّهْمَانِ أَنْ يَتَعَجَّلَ لَهُمْ فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: إِنَّ الْمُغَلَّبَ فِيهِ مَسْأَلَةُ رَبِّ الْمَالِ، كَمَا لَوْ تَفَرَّدَ بِمَسْأَلَتِهِ، فَيَكُونُ عَلَى مَا مَضَى مِنَ التَّقْسِيمِ وَالْجَوَابِ، لَأَنَّ التَّعْجِيلَ كَانَ بِاخْتِيَارِهِ، وَلِأَنَّهُ لَوِ امْتَنَعَ لَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ، فَوَجَبَ أَنْ تُغَلِّبَ فِيهِ مَسْأَلَتَهُ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: إِنَّ الْمُغَلَّبَ فِيهِ مَسْأَلَةُ أَهْلِ السُّهْمَانِ، كَمَا لَوْ تَفَرَّدُوا بِالْمَسْأَلَةِ، فَيَكُونُ عَلَى مَا مَضَى مِنَ التَّقْسِيمِ وَالْجَوَابِ، لِأَنَّهُمَا قد يتناوبا بِالْمَسْأَلَةِ وَانْفَرَدَ أَهْلُ السُّهْمَانِ بِالِارْتِفَاقِ فَوَجَبَ أَنْ يغلب فيه مسألتهم والله أعلم
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد وآله
قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَوِ اسْتَسْلَفَ لِرَجُلَيْنِ بَعِيرًا فَأَتْلَفَاهُ وَمَاتَا قَبْلَ الْحَوْلِ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْ أَمْوَالِهِمَا لِأَهْلِ السُّهْمَانِ لِأَنَّهُمَا لَمَّا لَمْ يَبْلُغَا الْحَوْلَ عَلِمْنَا أَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُمَا فِي صدقةٍ قَدْ حَلَّتْ فِي حَوْلٍ لَمْ يَبْلُغَاهُ وَلَوْ مَاتَا بَعْدَ الْحَوْلِ كَانَا قَدِ اسْتَوْفَيَا الصَّدَقَةَ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ.
أَمَّا قَوْلُهُ: " لَوِ اسْتَسْلَفَ لِرَجُلَيْنِ بَعِيرًا " فَلَيْسَ بِشَرْطٍ فِي الْمَسْأَلَةِ، بَلْ لا فرق بين أن يستسلف لرجلين أو رجل أَوْ أَكْثَرَ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَسْتَسْلِفَ بَعِيرًا أَوْ بَقَرَةً أَوْ شَاةً، وَالْجَوَابُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ، وَجُمْلَتُهُ: أَنَّ الْوَالِيَ إِذَا تَعَجَّلَ مِنْ رَجُلٍ بَعِيرًا، وَدَفَعَهُ إِلَى فَقِيرٍ، لِمَا رأى من حاجته وشدة خلته، ثُمَّ مَاتَ الْفَقِيرُ، لَمْ يَخْلُ حَالُ مَوْتِهِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ.