الحاوي الكبير (صفحة 1127)

لَا يَسْتَحِقُّ الزَّكَاةَ لِاسْتِغْنَائِهِ عَنْهُ فَعَلَى الْوَالِي اسْتِرْجَاعُهَا مِمَّنْ دَفَعَهَا إِلَيْهِ وَرَدُّهَا عَلَى مَنْ أخرها منه.

والحالة الثَّالِثَةُ: أَنْ يَكُونَ الدَّافِعُ مِمَّنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ لِبَقَاءِ مَالِهِ وَالْمَدْفُوعُ إِلَيْهِ مِمَّنْ لَا يستحق الزكاة والاستعانة فَعَلَى الْوَالِي اسْتِرْجَاعُهَا مِمَّنْ دَفَعَهَا إِلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّهَا وَلَا يُرُدُّهَا عَلَى مَنْ أَخَذَهَا مِنْهُ، لِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ لَكِنْ يُفَرِّقُهَا فِي أهلها ومستحقيها.

والحالة الرَّابِعَةُ: أَنْ يَكُونَ الدَّافِعُ مِمَّنْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ لِافْتِقَارِهِ، وَالْمَدْفُوعُ إِلَيْهِ مِمَّنْ يَسْتَحِقُّ الزَّكَاةَ لِبَقَاءِ فَقْرِهِ، فَلِلدَّافِعِ أَنْ يَرْجِعَ بِهَا عَلَى الْوَالِي، وَيَرْجِعَ الْوَالِي بِهَا عَلَى مَنْ دفعها إليه، وهذا إِذَا كَانَ الْوَالِي قَدْ فَرَّقَهَا حِينَ أَخَذَهَا، فَأَمَّا إِنْ كَانَتْ بَاقِيَةً فِي يَدِهِ فَعَلَيْهِ تَفْرِيقُهَا فِي أَهْلِ السُّهْمَانِ إِنْ كَانَ رَبُّ الْمَالِ مِمَّنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ، وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ رَدَّهَا عَلَيْهِ، فَأَمَّا إِنْ تَلِفَتْ فِي يَدِهِ قَبْلَ الْحَوْلِ فَعَلَيْهِ ضَمَانُهَا، فَإِنْ كَانَ رَبُّ الْمَالِ مِمَّنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ ضَمِنَها لِأَهْلِ السُّهْمَانِ، وَإِنْ كَانَ رَبُّ الْمَالِ مِمَّنْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ ضَمِنَهَا لِرَبِّ الْمَالِ، وَسَوَاءٌ تَلِفَتْ بِتَفْرِيطٍ مِنْهُ أَوْ غَيْرِ تَفْرِيطٍ، هَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، وإن تلفت في يد السَّاعِي لِرَبِّ الْمَالِ، وَلَا لِأَرْبَابِ السُّهْمَانِ، لِأَنَّ يَدَهُ بَعْدَ الْحَوْلِ يَدُ الْمَسَاكِينِ، وَمَا تَلِفَ فِي يَدِهِ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطٍ قَبْلَ صَرْفِهِ إِلَيْهِمْ لَا يَضْمَنُهُ، وَلَا يَضْمَنُ لِرَبِّ الْمَالِ، لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ عَلَيْهِ، وَإِنْ حَالَ الْحَوْلُ وَرَبُّ الْمَالِ مِنْ أَهْلِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ لَكِنَّ السَّاعِيَ لَمْ يَصْرِفْهَا إِلَى مُسْتَحِقِّيهَا حتى افتقر رب المال وتلفت الزَّكَاةُ فِي يَدِ السَّاعِي فَإِنْ لَمْ يُطَالِبْهُ بِرَدِّهِ إِلَيْهِ بَعْدَ فَقْرِهِ حَتَّى تَلِفَ فَلَا ضَمَانَ عَلَى السَّاعِي لِرَبِّ الْمَالِ، لِأَنَّ الْحَوْلَ قَدْ حَالَ، وَرَبُّ الْمَالِ مِنْ أَهْلِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ، وَلَا يَضْمَنُ لِلْفُقَرَاءِ لِأَنَّهُ أَمِينُهُمْ، وَإِنْ طَالَبَهُ رَبُّ الْمَالِ فَلَمْ يَرُدَّهُ أَوْ تَعَذَّرَ الرَّدُّ حَتَّى تَلِفَ فِي يَدِ السَّاعِي لَزِمَهُ ضَمَانُهُ لِرَبِّ الْمَالِ، وَقَالَ أبو حنيفة لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إِلَّا بِتَفْرِيطٍ فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا، ويكون مِنْ مَالِ أَهْلِ السُّهْمَانِ، وَيُجْزِئُ ذَلِكَ رَبُّ المال احتجاجاً لشيئين.

أَحَدُهُمَا: أَنَّ يَدَ الْوَالِي كَيَدِ أَهْلِ السُّهْمَانِ بِدَلِيلِ أَنَّ الزَّكَاةَ تَسْقُطُ عَنْ رَبِّ الْمَالِ بِدَفْعِهَا إِلَيْهِ كَمَا تَسْقُطُ عَنْهُ بِدَفْعِهَا إِلَيْهِمْ، فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ مَا تَلِفَ فِي أَيْدِي أَهْلِ السُّهْمَانِ مَضْمُونًا لَمْ يَكُنْ مَا تَلِفَ فِي يَدِ الْوَالِي مَضْمُونًا.

وَالثَّانِي: أَنَّ الْوَالِيَ فِي حَقِّ أَهْلِ السُّهْمَانِ بِمَنْزِلَةِ الْوَلِيِّ فِي حَقِّ الْيَتِيمِ، ثُمَّ كَانَ وَلِيُّ الْيَتِيمِ إِذَا تَعَجَّلَ لَهُ حَقًّا مُؤَجَّلًا لَمْ يَضْمَنْهُ، كَذَلِكَ وَالِي أَهْلِ السُّهْمَانِ إِذَا تَعَجَّلَ لَهُمْ حَقًّا مُؤَجَّلًا لَمْ يَضْمَنْهُ، وَهَذَا غَلَطٌ، وَدَلِيلُنَا شَيْئَانِ:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015