أحدهما: لا يجزئه، لِأَنَّهُ أَعْطَى غَيْرَ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ، فَكَانَ كَمَنْ دَفَعَ ابْنَ لَبُونٍ مَعَ وُجُودِ بِنْتِ مَخَاضٍ، فَعَلَى هَذَا عَلَيْهِ دَفْعُ الْأَفْضَلِ، وَلَهُ اسْتِرْجَاعُ مَا دَفَعَ، فَإِنْ كَانَ بَاقِيًا أَخَذَهُ، وَإِنْ كَانَ مُسْتَهْلَكًا أَخَذَ قِيمَتَهُ مِنْ مَالِ من استهلكه.
والوجه الثاني: يجزئه ذَلِكَ، لِأَنَّ أَخْذَ الْأَفْضَلِ وَجَبَ مِنْ طَرِيقِ الِاجْتِهَادِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُبْطِلَ حُكْمًا ثَبَتَ بالنص، فعلى هذا يَلْزَمُهُ إِخْرَاجُ مَا بَيْنَهُمَا مِنَ الْفَضْلِ أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ مَضَيَا أَحَدُهُمَا يَلْزَمُهُ إِخْرَاجُ الْفَضْلِ وَالثَّانِي لَا يَلْزَمُهُ.
: فَإِذَا أَرَادَ إِخْرَاجَ الْفَضْلِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ بَيْنَ الْفَرِيضَتَيْنِ، لَمْ تَخْلُ حَالُهُ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ إِمَّا أن يَقْدِرَ عَلَى إِخْرَاجِهِ مِنَ الْحَيَوَانِ، أَوْ لَا يَقْدِرُ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى إِخْرَاجِهِ مِنَ الْحَيَوَانِ إِمَّا لِقِلَّةِ الْفَضْلِ، أَوْ لِتَعَذُّرِ الْحَيَوَانِ، أَجْزَأَهُ إِخْرَاجُهُ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ، لِأَنَّهُ مَوْضِعُ ضَرُورَةٍ وَإِنْ قَدَرَ عَلَى الْحَيَوَانِ فَفِيهِ وَجْهَانِ:
أحدهما: لا يجزئه غَيْرُ الْحَيَوَانِ، لِأَنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي إِلَى إِخْرَاجِ الْقِيَمِ فِي الزَّكَاةِ، فَعَلَى هَذَا يُصْرَفُ الْفَضْلُ فِي شَاةٍ أَوْ بَعِيرٍ إِنْ قَدَرَ عَلَيْهِ كاملاً، ولا يَصْرِفُهُ فِي جُزْءٍ مِنْهُ عَلَى حَسَبِ الْفَضْلِ، وَلَا يَجُوزُ صَرْفُ الْفَضْلِ فِي بَقَرَةٍ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ فَرَائِضِ الْإِبِلِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَجُوزُ إخراج الفضل دراهم أو دنانير إن قَدَرَ عَلَى الْحَيَوَانِ، لِأَنَّ ذَلِكَ تَلَافِي نَقْصٍ وليس بقيم كَالشَّاتَيْنِ وَالْعِشْرِينَ دِرْهَمًا الْمَأْخُوذَةِ بَيْنَ السِّنِينَ، فَعَلَى هَذَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَعْدِلَ عَنِ الدَّرَاهِمِ أو الدنانير إِلَى الْعُرُوضِ وَالسِّلَعِ، وَلَكِنْ لَوْ عَدَلَ إِلَى الْحَيَوَانِ أَجْزَأَهُ لَا يُخْتَلَفُ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَا يُفَرِّقُ الْفَرِيضَةَ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا نَقْلُ الْمُزَنِيِّ وَنَقْلُ الرَّبِيعِ عَنِ الشَّافِعِيِّ فِي كِتَابِ " الْأُمِّ " وَلَا يُفَارِقُ الْفَرِيضَةَ، فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي اخْتِلَافِ هَاتَيْنِ الرِّوَايَتَيْنِ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ نَقْلَ الرَّبِيعِ هُوَ الصَّحِيحُ، وَنَقْلَ الْمُزَنِيِّ إِمَّا أَنْ يَكُونَ أَخْطَأَ فِيهِ أَوْ حَذَفَ الْأَلِفَ منه اسْتِخْفَافًا كَمَا حُذِفَتْ مِنْ صَالِحٍ وَعُثْمَانَ، فَيَكُونَ مَعْنَى نَقْلِ الرَّبِيعِ " وَلَا يُفَارِقُ الْفَرِيضَةَ " أَيْ: إذا وجد السن الواجب فِي الْمَالِ لَا يُفَارِقُهَا وَيَعْدِلُ إِلَى سِنٍّ أَعْلَى وَيُعْطِي أَوْ أَدْنَى وَيَأْخُذُ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: مِنْ قَوْلِ أَصْحَابِنَا وَهُوَ الصَّحِيحُ أَنَّ النَّقْلَيْنِ صحيحان، ومعناهما مختلف، فمعنى قول الرَّبِيعِ مَا ذَكَرْنَا، وَمَعْنَى نَقْلِ الْمُزَنِيِّ " وَلَا يُفَرِّقُ الْفَرِيضَةَ " إِذَا كَانَ مَعَهُ مِائَتَانِ مِنَ الْإِبِلِ، لَمْ يَجُزْ أَنْ يُفَرِّقَ فَرْضَهَا فَيَأْخُذَ بَعْضَهُ حِقَاقًا وَبَعْضَهُ بَنَاتِ لَبُونٍ، بَلْ إِمَّا أن