كلها مأخوذة من الأوقاص والنصب، وَالْأَوْقَاصُ الزَّائِدَةُ عَلَيْهَا عَفْوٌ لَيْسَ لَهَا فِي الْوُجُوبِ مَدْخَلٌ.
وَوَجْهُ هَذَا الْقَوْلِ: قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " فِي خَمْسٍ شَاةٌ " وَفِيهِ دَلِيلٌ مِنْ وَجْهَيْنِ:
أحدهما: أَوْجَبَ الشَّاةَ فِيهَا فَاقْتَضَى أَنْ تَكُونَ غَيْرَ واجبة في الزائد عليها.
والثاني: أن الشاة في خمس والوقص الزَّائِدَ عَلَيْهَا دُونَ خَمْسٍ، وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ فِي فَرَائِضِ الْغَنَمِ فِي مِائَتَيْنِ وَوَاحِدَةٍ ثَلَاثُ شِيَاهٍ، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ الْمِائَةِ شَيْءٌ، وَهَذَا نَصٌّ صَرِيحٌ وَلِأَنَّهُ وَقْصٌ قَصَّرَ عَنِ النِّصَابِ فَوَجَبَ أَنْ لَا تَتَعَلَّقَ بِهِ الزَّكَاةُ كَالْأَرْبَعَةِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ تَعَلَّقَ بِهِ الْوُجُوبُ لَكَانَ لَهُ تَأْثِيرٌ فِي الزِّيَادَةِ فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ لَهُ تَأْثِيرٌ فِي الزِّيَادَةِ لَمْ يَكُنْ تَعَلُّقٌ بِالْوُجُوبِ، وَوَجْهُ قَوْلِهِ الْأَوَّلِ وَهُوَ اخْتِيَارُ أبي العباس، رِوَايَةَ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " فِي أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ مِنَ الْإِبِلِ فَمَا دُونَهَا الْغَنَمُ فِي كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ " فَإِذَا بَلَغَتْ خَمْسًا وَعِشْرِينَ إِلَى خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ فَفِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ وَفِيهِ دَلَالَةٌ مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: فِي أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ مِنَ الْإِبِلِ فَمَا دُونَهَا الْغَنَمُ فِي كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ، فَإِذَا وَجَبَتِ الغنم في الأربعة والعشرين كلها فوجب أن لا يختلف الإيجاب بِبَعْضِهَا.
وَالثَّانِي: قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَإِذَا بَلَغَتْ خَمْسًا وَعِشْرِينَ إِلَى خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ فَفِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ، فَذَكَرَ النِّصَابَ وَالْوَقْصَ، وَأَضَافَ الْفَرِيضَةَ الْوَاجِبَةَ إِلَيْهِمَا، وَلِأَنَّهَا زِيَادَةٌ مِنْ جِنْسِ ماله الذي يجزي فِي حُكْمِ حَوْلِهِ فَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ الزَّكَاةُ فِي جَمِيعِهِ كَالْخَامِسِ وَالْعَاشِرِ، وَلِأَنَّ تَعَلُّقَ الْحُكْمِ بِمِقْدَارٍ مَعْلُومٍ لَا يَمْنَعُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ مِنْ تعلق الحكم به، وبالزيادة معها أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُحْرِمَ لَوْ حَلَقَ ثَلَاثَ شَعَرَاتٍ وَجَبَ عَلَيْهِ دَمٌ، وَلَوْ حَلَقَ جَمِيعَ رَأْسِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ ذَلِكَ الدَّمُ، وَلَوْ سَرَقَ رُبُعَ دِينَارٍ قُطِعَ، وَلَوْ سَرَقَ أَلْفَ دِينَارٍ قُطِعَ ذَلِكَ الْقَطْعَ، وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُقَالَ إِنَّ الْقَطْعَ وَجَبَ فِي رُبُعِ دِينَارٍ دُونَ الزيادة لعدم تأثيرها، ولأن الدَّمَ وَجَبَ فِي ثَلَاثِ شَعَرَاتٍ دُونَ مَا زَادَ عَلَيْهَا، كَذَلِكَ الْوَقْصُ الزَّائِدُ يَتَعَلَّقُ بِهِ الْوُجُوبُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي الزِّيَادَةِ تَأْثِيرٌ.
: الْقَوْلُ فِي إِمْكَانِ الْأَدَاءِ هَلْ هو شرط في الوجوب أو الضمان؟
فَإِذَا تَقَرَّرَ تَوْجِيهُ الْقَوْلَيْنِ، انْتَقَلَ الْكَلَامُ إِلَى التفريع عليهما وعلى اختلاف قوله فِي إِمْكَانِ الْأَدَاءِ هَلْ هُوَ مِنْ شَرَائِطِ الْوُجُوبِ أَوْ مِنْ شَرَائِطِ الضَّمَانِ؟ لِأَنَّهُمَا أَصْلَانِ مُتَّفِقَانِ، وَفِي كُلِّ أَصْلٍ مِنْهُمَا قَوْلَانِ، وَلَيْسَ لهذين القولين تَأْثِيرٌ مَعَ بَقَاءِ الْمَالِ وَسَلَامَتِهِ، وَإِنَّمَا تَأْثِيرُهُمَا مع تلف المال وعطيه، وَلَيْسَ يَخْلُو حَالُ تَلَفِهِ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ إِمَّا أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْحَوْلِ أَوْ بَعْدَهُ،