وَالرَّابِعُ: أَنَّ خَبَرَنَا مُسْنَدٌ، وَخَبَرَهُمْ يُوقَفُ مَرَّةً، وَيُسْنَدُ أُخْرَى، فَكَانَ خَبَرُنَا أَوْلَى وَأَمَّا الِاسْتِعْمَالُ فَمِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الَّذِي رَوَاهُ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " اسْتُؤْنِفَتِ الْفَرِيضَةُ " وَقَوْلُهُ " فِي كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ " مِنْ قَوْلِ الرَّاوِي عَنْ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ ظَنًّا مِنْهُ أَنَّهُ أَرَادَ بِالِاسْتِئْنَافِ ابْتِدَاءَ الْفَرِيضَةِ فَلَا يَكُونُ لَهُ حُكْمٌ، وَقَوْلُهُ اسْتُؤْنِفَتِ الْفَرِيضَةُ، يُرِيدُ بِهِ اسْتِئْنَافَهَا عَلَى غَيْرِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ تَرْتِيبِهَا، وَهُوَ الَّذِي أَبَانَهُ بقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ، وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ.
وَالثَّانِي: أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ اسْتُؤْنِفَتِ الفريضة في كل خمس شاة فإسناد مِنْ غَيْرِ أَعْيَانِهَا كَأَنَّهُ مَلَكَ مِائَةً وَعِشْرِينَ ثم استأنفت فِي حَوْلِهَا خَمْسًا أَوْ عَشْرًا مِنْ غَيْرِ بناتها، فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْتَأْنِفَ بِهَذَا الْحَوْلِ وَيُخْرِجَ مَنْ كُلِّ خَمْسٍ شَاةً، وَهَذَا الِاسْتِعْمَالُ ذَكَرَهُ أَبُو حَامِدٍ وَفِيهِ نَظَرٌ، وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ فَلَا يَصِحُّ، لِأَنَّا نَقُولُ إِنَّ الشَّاةَ قَدْ تُؤْخَذُ بَعْدَ المائة بين الستين، على أنا عَارَضْنَاهُمْ بِمِثْلِهِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُمْ إِنَّكُمْ لَا تَنْفَكُّونَ من مخالفة الخبر وأصول الزَّكَاةِ: فَالْجَوَابُ أَنَّ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ أَنَّ ثَلَاثَ بَنَاتِ لَبُونٍ مَأْخُوذَةٌ مِنَ الْكُلِّ أَعْنِي مِنَ المائة والإحدى والعشرين، ولم يخالف الْخَبَرَ لَكِنْ خَصَّصْنَاهُ، وَمَذْهَبُ أَبِي سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيِّ، أَنَّهَا مَأْخُوذَةٌ مِنْ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ، وَالْوَاحِدَةُ الزَّائِدَةُ عليها لا يتعلق الفرض عليها، تَمَسُّكًا بِالْخَبَرِ، وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ مُخَالَفَةً لِلْأُصُولِ، لِأَنَّا قَدْ وَجَدْنَا فِي الْأُصُولِ مَنْ يُغَيِّرُ فَرْضَ غَيْرِهِ، وَلَا يُغَيِّرُ فَرْضَ نَفْسِهِ، فَمِنْهُمُ الْأَخَوَانِ يُغَيِّرَانِ فَرْضَ الْأُمِّ مِنَ الثُّلُثِ إِلَى السدس، ولا يغيران حال نفسيهما وَالْعَبْدُ إِذَا وَطِئَ حُرَّةً بِنِكَاحٍ حَصَّنَهَا وَجَعَلَ فَرْضَهَا الرَّجْمَ، وَلَمْ يُغَيِّرْ فَرْضَ نَفْسِهِ فِي الْحَدِّ.
: فَأَمَّا مَالِكٌ فَاسْتَدَلَّ لِصِحَّةِ مَذْهَبِهِ بقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " فَإِذَا زَادَتِ الْإِبِلُ عَلَى مائةٍ وَعِشْرِينَ فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حقة " وكان المعتبر في الزيادة اجتماع الثلاث حقاق وَبَنَاتُ اللَّبُونِ، وَذَلِكَ لَا يَجْتَمِعُ فِي أَقَلِّ مِنْ مِائَةٍ وَثَلَاثِينَ، وَهَذَا خَطَأٌ بِدَلَالَةِ مَا رَوَاهُ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: فَإِذَا زَادَتِ الْإِبِلُ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ وَاحِدَةً فَفِيهَا ثَلَاثُ بَنَاتِ لَبُونٍ، ثُمَّ يَبْطُلُ ما ذكره مِنَ اجْتِمَاعِ الْحِقَاقِ وَبَنَاتِ اللَّبُونِ بِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ فَفِيهَا ثَلَاثُ حِقَاقٍ لَا غَيْرَ، وَبِمِائَةٍ وَسِتِّينَ فَفِيهَا أَرْبَعُ بَنَاتِ لَبُونٍ لَا غَيْرَ، وَأَمَّا حَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ فَلَا يَرْجِعُ إِلَى خَبَرٍ وَلَا أَثَرٍ وَلَا نَظَرٍ، فَبَطَلَ قَوْلُهُ وأما ابن جرير الطبري فله مذهب خامس أَنَّ الْمُصَدِّقَ بِالْخِيَارِ فِيمَا زَادَ عَلَى الْمِائَةِ وَعِشْرِينَ بَيْنَ ثَلَاثِ بَنَاتِ لَبُونٍ، كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَبَيْنَ حِقَّتَيْنِ وَشَاةٍ، كَمَا قَالَ أبو حنيفة وَهَذَا خَطَأٌ فَاحِشٌ لِأَنَّنَا قَدْ أَسْقَطْنَا مَا رَوَاهُ أبو حنيفة، وَأَسْقَطَ أبو حنيفة مَا رَوَيْنَاهُ، وَأَسْقَطَ ابْنُ جَرِيرٍ الْخَبَرَيْنِ جَمِيعًا،