سُئِلَ فَوْقَ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ، وَالْحُكْمُ فِيهِ أَنْ يُنْظَرَ، فَإِنْ كَانَ طَالِبُ الزِّيَادَةِ مُتَأَوِّلًا بِطَلَبِهَا، كالمالكي الذي يرى أخذ الكبيرة من الصِّغَارِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَمْنَعَهُ الْقَدْرَ الْوَاجِبَ، وَيَكُونُ مَعْنَى قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " فَلَا يُعْطِهِ " رَاجِعًا إِلَى الزِّيَادَةِ، وَإِنْ كَانَ طالب الزيادة غير متأول فيها، والزيادة لا وجه له في الاجتهاد بقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " فَلَا يُعْطِهِ " فِيهِ لِأَصْحَابِنَا جَوَابَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ رَاجِعٌ إِلَى الزِّيَادَةِ، فَعَلَى هَذَا يُعْطِيهِ الْقَدْرَ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ، لِمَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: مَنْ وُلِّيَ عَلَيْكُمْ فَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطِيعُوا، وَإِنْ كَانَ عَبْدًا حَبَشِيًّا مَا أَقَامَ فِيكُمْ كِتَابَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ.
وَالْجَوَابُ الثَّانِي: أَنَّهُ رَاجِعٌ إِلَى الْجُمْلَةِ مِنَ الْوَاجِبِ وَالزِّيَادَةِ، فَعَلَى هَذَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَ الْوَاجِبَ وَلَا الزِّيَادَةَ، لِأَنَّهُ بِطَلَبِ الزِّيَادَةِ فَاسِقٌ، وَالْفَاسِقُ لَا وِلَايَةَ لَهُ، قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " أَطِيعُوهُمْ مَا أَطَاعُوا اللَّهَ سُبْحَانَهُ، فَإِذَا عَصَوُا اللَّهَ تَعَالَى فَلَا طَاعَةَ لَهُمْ عَلَيْكُمْ " ثُمَّ ابتدأ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بذكر الإبل فقال: " فِي أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ مِنَ الْإِبِلِ فَمَا دُونَهَا الْغَنَمُ "، فَكَانَ هَذَا تَفْسِيرًا مِنْ وَجْهٍ، وَإِجْمَالًا مِنْ وَجْهٍ، فَالتَّفْسِيرُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ فِي أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ فَمَا دُونَهَا إِلَّا الْغَنَمُ، وَالْإِجْمَالُ أَنَّهُ لَا يُدْرَى قَدْرُ الْوَاجِبِ فِيهَا، ثُمَّ قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَعْدَ ذَلِكَ مُفَسِّرًا لِهَذَا الْإِجْمَالِ، " فِي كُلِّ خمسٍ شَاةٌ " فَكَانَ هَذَا بَيَانًا لِابْتِدَاءِ النِّصَابِ، وَقَدْرِ الْوَاجِبِ فِيهِ.
لَا اخْتِلَافَ بَيْنَ العلماء أن أول النصاب فِي الْإِبِلِ خَمْسٌ، وَأَنَّ الْوَاجِبَ فِيهَا شَاةٌ، لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " فِي كُلِّ خمسٍ شاةٌ " وَلِرِوَايَةِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قال: " ليس فيما دون خمس ذودٍ من الإبل صدقة " والذوذ مِنَ الثَّلَاثَةِ إِلَى التِّسْعَةِ فَإِذَا صَارَتْ عَشْرًا فما فوق صرة من الإبل، فإذا بلغت مائة قيل هنيدة، وَيُقَالُ هُنَيْدِيَّةٌ، فَإِذَا نَقَصَتْ إِبِلُ الرَّجُلِ عَنْ خَمْسٍ فَلَا شَيْءَ فِيهَا، فَإِذَا بَلَغَتْ خَمْسًا فَفِيهَا شَاةٌ إِلَى تِسْعٍ، فَإِذَا بَلَغَتْ عَشْرًا إلى أربع عشرة ففيها شاتان فَإِذَا بَلَغَتْ خَمْسَ عَشْرَةَ فَفِيهَا ثَلَاثُ شِيَاهٍ، إِلَى تِسْعَ عَشْرَةَ، فَإِذَا بَلَغَتْ عِشْرِينَ فَفِيهَا أَرْبَعُ شِيَاهٍ، إِلَى أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ، وَهِيَ غَايَةُ الْعَدَدِ الَّذِي يَجِبُ فِي فَرِيضَةِ الْغَنَمِ.
فَأَمَّا صفة هذه الشياه، وهي كُلُّ شَاةٍ يَجُوزُ أُضْحِيَّتُهَا إِمَّا جَذَعَةٌ مِنَ الضَّأْنِ أَوْ ثَنِيَّةٌ مِنَ الْمَعْزِ، وَلَا وَجْهَ لِمَنْ قَالَ مِنْ أَصْحَابِنَا، كُلُّ مَا انْطَلَقَ عَلَيْهِ اسْمُ شَاةٍ أَجْزَأَتْ وَإِنْ لَمْ تُجْزِ فِي الضَّحَايَا، لِأَنَّ مُطْلَقَ هَذَا الِاسْمِ فِي الشرع يتناول ما قيد وصفه من الضَّحَايَا كَالدِّمَاءِ الْوَاجِبَةِ فِي الْحَجِّ، ثُمَّ لِأَصْحَابِنَا فِي هَذِهِ الشَّاةِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّهَا تجزي ذكراً وأنثى كَالضَّحَايَا، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ.