أَمَّا الزَّكَاةُ فِي اللُّغَةِ فَهِيَ النَّمَاءُ وَالزِّيَادَةُ يُقَالُ: زَكَا الْمَالُ إِذَا نَمَا وَزَادَ، وَزَكَا الزرع إذا زاد ربعه ويقال: رجل زاك، إذا كان كثير الخير والمعروف، قال الله تعالى: {قَتَلْتَ نَفْساً زَاكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ) {الكهف: 74) أَيْ نَامِيَةً كَثِيرَةَ الْخَيْرِ وَقَالَ الشَّاعِرُ:
(قَبَائِلُنَا سبعٌ وَأَنْتُمْ ثَلَاثَةٌ ... وَلَسَبْعٌ أَزْكَى مِنْ ثلاثٍ وَأَكْثَرُ)
وَقَالَ الرَّاجِزُ الْمِنْقَرِيُّ:
(فَلَا زَكَا عَدِيدُهُ وَلَا خَسَا ... كَمَا شِرَارُ الْبَقْلِ أَطْرَافُ السَّفَا)
غَيْرَ أَنَّ الزَّكَاةَ فِي الشَّرْعِ، اسْمٌ صَرِيحٌ لِأَخْذِ شَيْءٍ مَخْصُوصٍ، مِنْ مال مخصوص، على أوصافه مَخْصُوصَةٍ لِطَائِفَةٍ مَخْصُوصَةٍ وَقَالَ دَاوُدُ بْنُ عَلِيٍّ: الزَّكَاةُ، اسْمٌ مَا عُرِفَ إِلَّا بِالشَّرْعِ وَلَيْسَ لَهُ فِي اللُّغَةِ أَصْلٌ، وَهَذَا الْقَوْلُ وَإِنْ كَانَ فَاسِدًا بِمَا ذَكَرْنَاهُ، فَلَيْسَ الْخِلَافُ فِيهِ مؤثراً في أحكام الزكاة.
: والأصل فِي وُجُوبِهَا الْكِتَابُ، وَالسُّنَّةُ، وَإِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ.
فَأَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَا أُمِرُوا إلاَّ لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاّةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ القَيِّمَةِ) {البينة: 5) وَقَالَ تَعَالَى: {وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ) {النور: 56) وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ هَلْ هِيَ مُجْمَلَةٌ أم لا؟ فَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ مُجْمَلَةٌ، لِأَنَّ الزَّكَاةَ لَا تَجِبُ إِلَّا فِي مَالٍ مَخْصُوصٍ إِذَا بَلَغَ قَدْرًا مَخْصُوصًا، وَالْآيَةُ لَا تَتَضَمَّنُ شَيْئًا مِنْ هَذَا، فَعُلِمَ أَنَّهَا مُجْمَلَةٌ، وَبَيَانُهَا مَأْخُوذٌ مِنْ جِهَةِ السُّنَّةِ، إِلَّا أَنَّهَا تَقْتَضِي الْوُجُوبَ، وَقَالَ عدة مِنْ أَصْحَابِنَا لَيْسَتْ مُجْمَلَةً، وَذَلِكَ أَنَّ كُلَّ ما يتناوله اسم الزكاة فلأنه يقتضي وُجُوبَهُ، فَإِذَا أَخْرَجَ مِنَ الْمَالِ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الزَّكَاةِ فَقَدِ امْتَثَلَ الْأَمْرَ، وَالزِّيَادَةُ عَلَيْهِ مَأْخُوذَةٌ مِنَ السُّنَّةِ، وَيَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الزَّكَاةِ أَيْضًا قَوْله تَعَالَى: {وَفِي أمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ