رب يسر وأعن يا كريم
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستهديه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادى له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أما بعد:
فلقد وعد الله طائفة من عباده المؤمنين بأن يورثهم الأرض، ويمكنهم فيها {إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} (الأعراف:128).
ولم يحدد الله عز وجل زمانًا ولا مكانًا لظهور تلك الطائفة المنصورة، بل حدد شروطًا وصفات إذا ما حققها جيل من الأجيال في أي زمان وأي مكان فإن وعده سبحانه وتعالى سيتحقق لهم: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (النور:55).
ومهما اجتهد المجتهدون، وتحرك العاملون للإسلام هنا وهناك، فإن هذا لا يكفي لإعادة مجد الإسلام من جديد، إلا إذا تضمنت حركتهم واجتهادهم العمل على استكمال صفات الجيل الموعود بالنصر والتمكين.
إن وعد الله لا يتخلف: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} (الأنبياء:105)، هذا الوعد ينتظر من يستوفي شروط استدعائه لكي يتحقق.
ويحكي لنا التاريخ أن جيلًا من الأجيال قد استطاع أن يحقق الشروط المطلوبة لتنفيذ الوعد الإلهي، هو جيل الصحابة رضوان الله عليهم فكان الوفاء السريع والكريم من الله عز وجل لهذا الجيل، فأورثهم الأرض، ومكن لهم فيها، وملكهم ممالكها في سنوات قليلة: {وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيم} (التوبة:111).
فحري بنا ونحن نعيش مرحلة دقيقة من تاريخ أمتنا، حيث الليل الدامس الذي يغشانا، والنفق المظلم الذي نسير فيه، والدم النازف من جسد الأمة العاني .. حريّ بنا أن نتكاتف جميعًا لإيجاد هذا الجيل الموعود بالنصر والتمكين، وأن نضحي في سبيل تكوينه بالغالي والرخيص، وأن نكثر من التأمل في جيل الصحابة - رضوان الله عليهم - وكيف استطاعوا أن يستكملوا متطلبات النصر والتأييد الإلهي، لنحذو حذوهم ونتشبه بهم ..
وتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم ... إن التشبه بالرجال فلاح
وحول هذا الموضوع - الجيل الموعود بالنصر والتمكين - يدور الحديث في هذه الصفحات والتي نسأل الله أن يلهمنا فيها الرشد والسداد، وأن يتقبلها منا بكرمه وفضله ..
{سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} (البقرة:32).