وَاَللَّهِ لَا أَتَغَدَّى مَعَك وَإِنْ تَغَدَّيْت فَعَبْدِي حُرٌّ فَلَمْ يَتَغَدَّ مَعَهُ وَذَهَبَ إلَى بَيْتِهِ وَتَغَدَّى فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ فِي هَذِهِ الْوُجُوهِ كُلِّهَا اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنْ يَحْنَثَ وَلَوْ قَالَ لِرَجُلٍ: إذَا فَعَلْت كَذَا وَلَمْ أَفْعَلْ كَذَا فَعَبْدِي حُرٌّ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: هُوَ عَلَى الْفَوْرِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ عَلَى أَثَرِ فِعْلِهِ حَنِثَ وَإِنْ كَانَ قَالَ: ثُمَّ لَمْ أَفْعَلْ كَذَا فَهُوَ كَذَا فَهُوَ عَلَى الْأَبَدِ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: كِلَاهُمَا عَلَى الْفَوْرِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ إنْ قُمْت فَلَمْ أَضْرِبْك فَأَنْتَ حُرٌّ أَنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ وَلَوْ وَهَبَ السَّكْرَانُ لِامْرَأَتِهِ دِرْهَمًا فَقَالَتْ: إنَّكَ تَسْتَرِدُّهُ مِنِّي إذَا صَحَوْت فَقَالَ: إذَا اسْتَرْدَدْته مِنْك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَاسْتَرَدَّهُ مِنْهَا فِي سَاعَتِهِ وَهُوَ سَكْرَانٌ لَمْ يَحْنَثْ وَيَكُونُ يَمِينُهُ جَوَابًا لِكَلَامِهَا وَلَوْ حَلَفَ غَرِيمُهُ لَا يَخْرُجُ مِنْ الْبَلَدِ إلَّا بِإِذْنِهِ فَقَضَاهُ دَيْنَهُ ثُمَّ خَرَجَ بِغَيْرِ إذْنِهِ لَمْ يَحْنَثْ كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ
قَوْلُهُ (وَيَمِينُ اللَّغْوِ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى أَمْرٍ مَاضٍ وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ كَمَا قَالَ وَالْأَمْرُ بِخِلَافِهِ) مِثْلُ وَاَللَّهِ لَقَدْ فَعَلْت كَذَا وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ صَادِقٌ أَوْ وَاَللَّهِ مَا فَعَلْت وَهُوَ لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ قَدْ فَعَلَ وَقَدْ يَكُونُ عَلَى الْحَالِ مِثْلُ أَنْ يَرَى شَخْصًا مِنْ بَعِيدٍ فَيَحْلِفُ أَنَّهُ زَيْدٌ فَإِذَا هُوَ عَمْرٌو أَوْ يَرَى طَائِرًا فَيَحْلِفُ أَنَّهُ غُرَابٌ فَإِذَا هُوَ غَيْرُهُ أَوْ وَاَللَّهِ مَا أَكَلْت الْيَوْمَ وَقَدْ أَكَلَ فَهَذَا كُلُّهُ لَغْوٌ لَا حِنْثَ فِيهِ وَقِيلَ: إنَّ يَمِين اللَّغْوِ مَا يَجْرِي عَلَى الْأَلْسِنَةِ مِنْ قَوْلِهِمْ لَا وَاَللَّهِ، بَلَى وَاَللَّهِ مِنْ غَيْرِ اعْتِقَادٍ فِي ذَلِكَ وَاللَّغْوُ فِي اللُّغَةِ هُوَ الْكَلَامُ السَّاقِطُ الَّذِي لَا يُعْتَدُّ بِهِ قَوْلُهُ (فَهَذِهِ الْيَمِينُ نَرْجُو أَنْ لَا يُؤَاخِذَ اللَّهُ بِهَا صَاحِبَهَا) فَإِنْ قِيلَ: قَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ لَا يُؤَاخِذُ بِهَا عَلَى الْقَطْعِ فَلِمَ عَلَّقَهُ بِالرَّجَاءِ وَالشَّكِّ قُلْنَا: الْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدِهِمَا أَنَّ اللَّغْوَ الَّذِي فَسَّرْنَاهُ لَمْ يَعْلَمْ قَطْعًا أَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَرَادَهُ اللَّهُ أَمْ لَا لِلِاخْتِلَافِ فِي تَفْسِيرِهِ وَعَدَمِ الْعِلْمِ بِالتَّوَصُّلِ إلَى حَقِيقَتِهِ فَلِهَذَا قَالَ: نَرْجُو وَالثَّانِي أَنَّ الرَّجَاءَ عَلَى ضَرْبَيْنِ: رَجَاءِ طَمَعٍ وَرَجَاءِ تَوَاضُعٍ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الرَّجَاءُ تَوَاضُعًا لِلَّهِ تَعَالَى قَالَ ابْنُ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدٍ: وَلَا يَكُونُ اللَّغْوُ إلَّا فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ أَمَّا إذَا حَلَفَ بِطَلَاقٍ أَوْ عَتَاقٍ عَلَى أَمْرٍ مَاضٍ وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ صَادِقٌ فَإِذَا هُوَ كَاذِبٌ وَقَعَ الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ وَكَذَا إذَا حَلَفَ بِنَذْرٍ لَزِمَهُ ذَلِكَ
قَوْلُهُ (وَالْعَامِدُ فِي الْيَمِينِ وَالنَّاسِي وَالْمُكْرَهُ سَوَاءٌ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ «ثَلَاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ وَالْيَمِينُ» وَكَذَلِكَ الْخَاطِئُ كَمَا إذَا أَرَادَ أَنْ يُسَبِّحَ فَجَرَى عَلَى لِسَانِهِ الْيَمِينُ فَهُوَ كَالْعَامِدِ قَوْلُهُ (وَمَنْ فَعَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا أَوْ مُكْرَهًا فَهُوَ سَوَاءٌ) لِأَنَّ الْفِعْلَ الْحَقِيقِيَّ لَا يَنْعَدِمُ بِالْإِكْرَاهِ وَهُوَ الشَّرْطُ وَكَذَا إذَا فَعَلَهُ وَهُوَ مُغْمًى عَلَيْهِ أَوْ مَجْنُونٌ لِتَحَقُّقِ الشَّرْطِ فَإِنْ قِيلَ: الْكَفَّارَةُ شُرِعَتْ لِأَجْلِ سَتْرِ الذَّنْبِ وَلَا ذَنْبَ لِلْمَجْنُونِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا تَجِبَ الْكَفَّارَةُ عَلَيْهِ إذَا فَعَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ حَالَةَ الْجُنُونِ قُلْنَا: الْحُكْمُ وَهُوَ وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ دَائِرٌ مَعَ دَلِيلِ الذَّنْبِ وَهُوَ الْحِنْثُ لَا مَعَ حَقِيقَةِ الذَّنْبِ كَوُجُوبِ الِاسْتِبْرَاءِ فَإِنَّهُ دَائِرٌ مَعَ دَلِيلِ شُغْلِ الرَّحِمِ وَهُوَ اسْتِحْدَاثُ الْمِلْكِ لَا مَعَ حَقِيقَةِ الشُّغْلِ حَتَّى أَنَّهُ يَجِبُ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ الشُّغْلُ أَصْلًا بِأَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً بِكْرًا أَوْ اشْتَرَاهَا مِنْ امْرَأَةٍ
قَوْلُهُ (وَالْيَمِينُ بِاَللَّهِ تَعَالَى أَوْ بِاسْمٍ مِنْ أَسْمَائِهِ كَالرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) لِأَنَّ تَعْظِيمَ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَاجِبٌ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ: أَسْمَاءُ اللَّهِ عَلَى ضَرْبَيْنِ مِنْهَا مَا لَا اشْتِرَاكَ فِيهِ مِثْلُ اللَّهِ وَالرَّحْمَنِ فَالْحَلِفُ يَنْعَقِدُ بِهِ بِكُلِّ حَالٍ وَمِنْهَا مَا هُوَ مُشْتَرَكٌ مِثْلُ الْكَبِيرِ وَالْعَزِيزِ وَالْقَادِرِ فَإِنْ أَرَادَ بِهِ الْيَمِينَ كَانَ يَمِينًا وَإِنْ لَمْ يُرِدْ بِهِ الْيَمِينَ لَمْ يَكُنْ يَمِينًا وَذَكَرَ أَبُو الْحَسَنِ الْقِسْمَيْنِ فَجَعَلَهُمَا يَمِينًا وَلَمْ يَفْصِلْ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْحَالِفَ قَصَدَ يَمِينًا صَحِيحَةً.
(قَوْلُهُ أَوْ بِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِ ذَاتِهِ كَقَوْلِهِ وَعِزَّةِ اللَّهِ وَجَلَالِهِ وَكِبْرِيَائِهِ) اعْلَمْ أَنَّ صِفَاتِ اللَّهِ عَلَى ضَرْبَيْنِ: صِفَاتِ الذَّاتِ وَصِفَاتِ الْفِعْلِ فَمَا كَانَ مِنْ صِفَاتِ ذَاتِهِ كَانَ بِهِ حَالِفًا وَمَا كَانَ مِنْ صِفَاتِ فِعْلِهِ لَا يَكُونُ بِهِ حَالِفًا وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ كُلَّ مَا وُصِفَ اللَّهُ بِهِ وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُوصَفَ بِضِدِّهِ فَهُوَ مِنْ صِفَاتِ ذَاتِهِ كَالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ وَالْقُوَّةِ وَمَا جَازَ أَنْ يُوصَفَ