قَوْلُهُ: (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَحُدَّ الذَّابِحُ شَفْرَتَهُ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ» وَلِأَنَّ تَحْدِيدَهَا أَسْرَعُ لِلذَّبْحِ وَأَسْهَلُ عَلَى الْحَيَوَانِ وَيُكْرَهُ الذَّبْحُ بِالسِّكِّينِ الْكَلِيلَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْذِيبِ الْحَيَوَانِ وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَيُكْرَهُ أَنْ يُضْجِعَ الشَّاةَ ثُمَّ يُحِدَّ الشَّفْرَةَ بَعْدَمَا أَضْجَعَهَا وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «رَأَى رَجُلًا قَدْ أَضْجَعَ شَاةً وَهُوَ يَحُدُّ شَفْرَتَهُ فَقَالَ: لَقَدْ أَرَدْت أَنْ تُمِيتَهَا مِيتَتَيْنِ أَلَا حَدَدْتهَا قَبْلَ أَنْ تُضْجِعَهَا» .
وَرَأَى عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رَجُلًا قَدْ أَضْجَعَ شَاةً وَجَعَلَ رِجْلَهُ عَلَى صَفْحَةِ وَجْهِهَا وَهُوَ: يَحُدُّ الشَّفْرَةَ فَضَرَبَهُ بِالدُّرَّةِ فَهَرَبَ وَشَرَدَتْ الشَّاةُ، فَقَالَ عُمَرُ هَلَّا حَدَدْتهَا قَبْلَ أَنْ تَضَعَ رِجْلَك مَوْضِعَ وَضَعْتهَا وَلِأَنَّ الْبَهَائِمَ تُحِسُّ بِمَا يُجْزَعُ مِنْهُ فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ زَادَ فِي أَلَمِهَا وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ وَيُكْرَهُ أَيْضًا أَنْ يَجُرَّ بِرِجْلِهَا إذَا أَرَادَ ذَبْحَهَا وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَسُوقَهَا بِرِفْقٍ وَيُضْجِعَهَا بِرِفْقٍ.
قَوْلُهُ: (وَمَنْ بَلَغَ بِالسِّكِّينِ النُّخَاعَ أَوْ قَطَعَ الرَّأْسَ كُرِهَ لَهُ ذَلِكَ وَتُؤْكَلُ ذَبِيحَتُهُ) النُّخَاعُ عِرْقٌ أَبْيَضُ فِي عَظْمِ الرَّقَبَةِ وَيُكْرَهُ لَهُ أَيْضًا أَنْ يَكْسِرَ الْعُنُقَ قَبْلَ أَنْ تَمُوتَ وَأَنْ يَخْلَعَ جِلْدَهَا قَبْلَ أَنْ تَبْرُدَ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ ذَبَحَ الشَّاةَ مِنْ قَفَاهَا فَإِنْ بَقِيَتْ حَيَّةً حَتَّى قَطَعَ الْعُرُوقَ جَازَ وَيُكْرَهُ) لِأَنَّهُ خِلَافُ الْمَسْنُونِ قَوْلُهُ: (وَإِنْ مَاتَتْ قَبْلَ قَطْعِ الْعُرُوقِ لَمْ تُؤْكَلْ) لِأَنَّهَا مَاتَتْ قَبْلَ وُجُودِ الذَّكَاةِ فِي مَحِلِّهَا كَمَا لَوْ مَاتَتْ حَتْفَ أَنْفِهَا.
رَجُلٌ ذَبَحَ شَاةً مَرِيضَةً فَلَمْ يَتَحَرَّك مِنْهَا إلَّا فُوهَا إنْ فَتَحَتْ فَاهَا لَا تُؤْكَلُ وَإِنْ ضَمَّتْهُ أُكِلَتْ وَإِنْ فَتَحَتْ عَيْنَهَا لَا تُؤْكَلُ وَإِنْ غَمَّضَتْهَا أُكِلَتْ وَإِنْ مَدَّتْ رِجْلَيْهَا لَا تُؤْكَلُ وَإِنْ قَبَضَتْهُمَا أُكِلَتْ وَإِنْ لَمْ يَقُمْ شَعْرُهَا لَا تُؤْكَلُ وَإِنْ قَامَ أُكِلَتْ هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهَا حَيَّةٌ وَقْتَ الذَّبْحِ أَمَّا إذَا عُلِمَتْ يَقِينًا أُكِلَتْ بِكُلِّ حَالٍ كَذَا فِي الْوَاقِعَاتِ.
وَفِي الْيَنَابِيعِ الشَّاةُ إذَا مَرِضَتْ أَوْ شَقَّ الذِّئْبُ بَطْنَهَا وَلَمْ يَبْقَ فِيهَا مِنْ الْحَيَاةِ إلَّا مِقْدَارُ مَا يَعِيشُ الْمَذْبُوحُ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ لَا تَحِلُّ بِالذَّكَاةِ، وَالْمُخْتَارُ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ ذُبِحَ وَهُوَ حَيٌّ حَلَّ أَكْلُهُ وَلَا تَوْقِيتَ فِيهِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ وَإِنْ ذَبَحَ شَاةً أَوْ بَقَرَةً وَتَحَرَّكَتْ وَخَرَجَ مِنْهَا الدَّمُ أُكِلَتْ وَإِنْ لَمْ تَتَحَرَّك وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْهَا الدَّمُ لَمْ تُؤْكَلْ وَإِنْ تَحَرَّكَتْ وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْهَا الدَّمُ أُكِلَتْ وَإِنْ خَرَجَ مِنْهَا الدَّمُ وَلَمْ تَتَحَرَّك وَخُرُوجُهُ مِثْلُ مَا يَخْرُجُ مِنْ الْحَيِّ أُكِلَتْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَبِهِ نَأْخُذُ كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ.
قَوْلُهُ: (وَمَا اسْتَأْنَسَ مِنْ الصَّيْدِ فَذَكَاتُهُ الذَّبْحُ) لِأَنَّهُ مَقْدُورٌ عَلَى ذَبْحِهِ كَالشَّاةِ. قَوْلُهُ: (وَمَا تَوَحَّشَ مِنْ النَّعَمِ فَذَكَاتُهُ الْعَقْرُ وَالْجُرْحُ) ، وَالْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّ الذَّكَاةَ عَلَى ضَرْبَيْنِ اخْتِيَارِيَّةٌ وَاضْطِرَارِيَّةٌ وَمَتَى قَدَرَ عَلَى الِاخْتِيَارِيَّةِ لَا تَحِلُّ لَهُ الذَّكَاةُ الِاضْطِرَارِيَّةُ وَمَتَى عَجَزَ عَنْهَا حَلَّتْ لَهُ الِاضْطِرَارِيَّةُ فَالِاخْتِيَارِيَّة مَا بَيْنَ اللَّبَّةِ، وَاللَّحْيَيْنِ، وَالِاضْطِرَارِيَّة الطَّعْنُ، وَالْجَرْحُ وَإِنْهَارُ الدَّمُ فِي الصَّيْدِ وَكُلُّ مَا كَانَ فِي عِلَّةِ الصَّيْدِ مِنْ الْأَهْلِيِّ كَالْإِبِلِ إذَا نَدَّتْ أَوْ وَقَعَ مِنْهَا شَيْءٌ فِي بِئْرٍ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى نَحْرِهِ فَإِنَّهُ يَطْعَنُهُ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ قَدَرَ عَلَيْهِ فَيَحِلُّ أَكْلُهُ وَكَذَا إذَا تَرَدَّتْ بَقَرَةٌ فِي بِئْرٍ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى ذَبْحِهَا فَإِنَّ ذَكَاتَهَا الْعَقْرُ، وَالْجَرْحُ مَا لَمْ يُصَادِفْ الْعُرُوقَ عَلَى هَذَا أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ لِأَنَّ الذَّبْحَ فِيهِ مُتَعَذِّرٌ وَأَمَّا الشَّاةُ فَإِنَّهَا إذَا نَدَّتْ فِي الصَّحْرَاءِ فَذَكَاتُهَا الْعَقْرُ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهَا وَإِنْ نَدَّتْ فِي الْمِصْرِ لَمْ يَجُزْ عَقْرُهَا لِأَنَّهَا لَا تَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهَا فَيُمْكِنُ أَخْذُهَا فِي الْمِصْرِ بِخِلَافِ الْبَعِيرِ، وَالْبَقَرَةِ فَإِنَّهُمَا إذَا نَدَّا فِي الْمِصْرِ أَوْ الصَّحْرَاءِ فَهُوَ سَوَاءٌ وَذَكَاتُهُمَا الْعَقْرُ لِأَنَّهُمَا يَدْفَعَانِ عَنْ أَنْفُسِهِمَا بِقُوَّتِهِمَا فَلَا يَقْدِرُ عَلَيْهِمَا.
قَوْلُهُ: (وَالْمُسْتَحَبُّ فِي الْبَقَرِ، وَالْغَنَمِ الذَّبْحُ) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} [البقرة: 67] ، وَقَالَ فِي الْغَنَمِ {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} [الصافات: 107] قَوْلُهُ: (فَإِنْ نَحَرَهَا جَازَ وَيُكْرَهُ) أَمَّا الْجَوَازُ فَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «انْهَرْ الدَّمَ بِمَا شِئْت» وَأَمَّا الْكَرَاهَةُ فَلِمُخَالَفَةِ السُّنَّةِ الْمُتَوَارَثَةِ فَإِنْ قِيلَ: رَوَى جَابِرٌ قَالَ «نَحَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْبَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ، وَالْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ» وَلَمْ يَقُلْ ذَبَحْنَا الْبَقَرَةَ قِيلَ: الْعَرَبُ قَدْ تُضْمِرُ الْفِعْلَ إذْ كَانَ فِي اللَّفْظِ دَلِيلٌ عَلَيْهِ قَالَ الشَّاعِرُ:
عَلَفْتهَا تِبْنًا وَمَاءً بَارِدًا ... حَتَّى غَدَتْ هَمَّالَةً عَيْنَاهَا
أَيْ وَسَقَيْتهَا مَاءً بَارِدًا فَأَضْمَرَ الْفِعْلَ كَذَا هَذَا مَعْنَاهُ وَذَبَحْنَا الْبَقَرَةَ قَوْلُهُ: (وَالْمُسْتَحَبُّ فِي الْإِبِلِ النَّحْرُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: 2] يَعْنِي الْبُدْنَ وَلِأَنَّ اللَّبَّةَ مِنْ الْبَدَنَةِ لَيْسَ فِيهَا لَحْمٌ فَلِذَلِكَ اُسْتُحِبَّ فِيهَا النَّحْرُ لِأَنَّهُ أَسْهَلُ