لِلْوَلَدِ نَسَبٌ مَعْرُوفٌ.
وَقَوْلُهُ: وَقِيمَةُ وَلَدِهَا يَعْنِي قِيمَتَهُ يَوْمِ الْخُصُومَةِ قَوْلُهُ: (وَلَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ) لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ فِيهَا حَقِيقَةً وَيَجُوزُ لِلْمُكَاتَبِ بَيْعُهَا كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَذَّبَهُ الْمُكَاتَبُ فِي النَّسَبِ لَمْ يَثْبُتْ) لِأَنَّ مَا فِي يَدِ الْمُكَاتَبِ فِي حَقِّ الْمَوْلَى كَمَا فِي يَدِ الْأَجْنَبِيِّ فَلَوْ مَلَكَهُ يَوْمًا ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ لِزَوَالِ حَقِّ الْمُكَاتَبِ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَانِعُ.
الْكِتَابَةُ فِي اللُّغَةِ الضَّمُّ أَيَّ ضَمٍّ كَانَ وَمِنْهُ الْكَتِيبَةُ، وَالْكِتَابَةُ، وَفِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ ضَمٍّ مَخْصُوصٍ، وَهُوَ ضَمُّ حُرِّيَّةِ الْيَدِ لِلْمُكَاتَبِ إلَى حُرِّيَّةِ الرَّقَبَةِ فِي الْمَالِ بِأَدَاءِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ، وَالْمُكَاتَبُ فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ بِمَنْزِلَةِ الْأَحْرَارِ، وَفِي بَعْضِهَا بِمَنْزِلَةِ الْأَرِقَّاءِ؛ وَلِهَذَا قَالَ مَشَايِخُنَا: الْمُكَاتَبُ طَارَ عَنْ قَيْدِ الْعُبُودِيَّةِ وَلَمْ يَنْزِلْ بِسَاحَةِ الْحُرِّيَّةِ فَصَارَ كَالنَّعَامَةِ إنْ اُسْتُطِيرَ تَبَاعَرَ وَإِنْ اُسْتُحْمِلَ تَطَايَرَ، وَالْكِتَابَةُ مُسْتَحَبَّةٌ إذْ طَلَبَهَا الْعَبْدُ وَلَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ وقَوْله تَعَالَى {فَكَاتِبُوهُمْ} [النور: 33] أَمْرُ نَدْبٍ وَاسْتِحْبَابٍ لَا أَمْرُ حَتْمٍ وَإِيجَابٍ وقَوْله تَعَالَى {إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: 33] قِيلَ: أَرَادَ بِهِ إقَامَةَ الصَّلَاةِ وَأَدَاءَ الْفَرَائِضِ وَقِيلَ أَرَادَ بِهِ إنْ كَانَ بَعْدَ الْعِتْقِ لَا يَضُرُّ بِالْمُسْلِمِينَ لِأَنَّهُ مَا دَامَ عَبْدًا يَكُونُ تَحْتَ يَدِ مَوْلَاهُ فَيَمْنَعُهُ مِنْ ذَلِكَ فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ يَضُرُّ بِالْمُسْلِمِينَ بَعْدَ الْعِتْقِ فَالْأَفْضَلُ أَنَّهُ لَا يُكَاتِبُهُ فَإِنْ كَاتَبَهُ جَازَ وَقِيلَ مَعْنَاهُ إنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ رُشْدًا إشْفَاقًا وَأَمَانَةً وَوَفَاءً وَقُدْرَةً عَلَى الْكَسْبِ وقَوْله تَعَالَى {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ} [النور: 33] قِيلَ أَرَادَ بِهِ أَنْ يَحُطَّ عَنْهُ بَعْضَ مَالِ الْكِتَابَةِ عَلَى سَبِيلِ النَّدْبِ لَا عَلَى سَبِيلِ الْحَتْمِ وَقِيلَ أَرَادَ بِهِ صَرْفَ الصَّدَقَةِ إلَيْهِ وَهَذَا أَقْرَبُ إلَى ظَاهِرِ الْآيَةِ لِأَنَّ الْإِيتَاءَ هُوَ الْإِعْطَاءُ دُونَ الْحَطِّ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {وَفِي الرِّقَابِ} [التوبة: 60] .
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (إذَا كَاتَبَ الْمَوْلَى عَبْدَهُ أَوْ أَمَتَهُ عَلَى مَالٍ شَرَطَهُ عَلَيْهِ وَقَبِلَ الْعَبْدُ ذَلِكَ صَارَ مُكَاتَبًا) شَرَطَ الْمَالَ احْتِرَازًا عَنْ الْمَيْتَةِ، وَالدَّمِ فَإِنَّ الْكِتَابَةَ لَا تَصِحُّ عَلَيْهِمَا وَلَا يَعْتِقُ بِأَدَائِهِمَا إلَّا أَنْ يَكُونَ قَالَ لَهُ: إذَا أَدَّيْت إلَيَّ ذَلِكَ فَأَنْتَ حُرٌّ فَيَعْتِقُ بِالشَّرْطِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَاتَبَهُ عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ فَأَدَّى الْخَمْرَ أَوْ قِيمَتَهُ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَهُمَا لَا يَعْتِقُ بِأَدَائِهِمَا إلَّا أَنْ يَكُونَ قَالَ لَهُ إذَا أَدَّيْت إلَيَّ ذَلِكَ فَأَنْتَ حُرٌّ فَيَعْتِقُ بِالْأَدَاءِ وَيَسْعَى فِي قِيمَتِهِ وَشَرْطُ قَوْلِ الْعَبْدِ لِأَنَّهُ مَالٌ يَلْزَمُهُ فَلَا بُدَّ مِنْ الْتِزَامِهِ وَلِلْمَوْلَى أَنْ يَرْجِعَ قَبْلَ قَبُولِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَعْتَقَهُ عَلَى مَالٍ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ وَلَا يَعْتِقُ الْمُكَاتَبُ إلَّا بِأَدَاءِ الْكُلِّ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ» قَالَ لِخُجَنْدِيٌّ الْمُكَاتَبُ رِقٌّ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ وَلَا يَعْتِقُ بِالْقَبُولِ وَهُوَ قَوْلُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَبِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا: وَقَالَ عَلِيٌّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ إنَّهُ يَعْتِقُ بِقَدْرِ مَا أَدَّى، وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ يَعْتِقُ بِالْقَبُولِ وَيَكُونُ غَرِيمًا كَالْغُرَمَاءِ وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: إذَا أَدَّى قَدْرَ الْقِيمَةِ عَتَقَ، وَالْبَاقِي دَيْنٌ عَلَيْهِ وَيَجُوزُ شَرْطُ الْخِيَارِ لِلْمَوْلَى، وَالْعَبْدُ فِي الْكِتَابَةِ لِأَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ يَلْحَقُهَا الْفَسْخُ إذَا شَرَطَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَا يَجُوزُ أَكْثَرُ مِنْهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ إذَا سُمِّيَ لَهُ مُدَّةً مَعْلُومَةً. قَوْلُهُ: (وَيَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَ الْمَالَ حَالًّا، وَيَجُوزُ مُؤَجَّلًا وَمُنَجَّمًا) .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ حَالًّا وَلَا بُدَّ مِنْ نَجْمَيْنِ.
قَوْلُهُ: (وَتَجُوزُ كِتَابَةُ الْعَبْدِ الصَّغِيرِ إذَا كَانَ يَعْقِلُ الْبَيْعَ، وَالشِّرَاءَ) لِأَنَّ الْعَاقِلَ مِنْ أَهْلِ الْقَبُولِ، وَالتَّصَرُّفِ نَافِعٌ فِي حَقِّهِ وَالشَّافِعِيُّ يُخَالِفُنَا فِيهِ وَأَمَّا إذَا كَانَ لَا يَعْقِلُ الْبَيْعَ، وَالشِّرَاءَ لَا يَجُوزُ إجْمَاعًا حَتَّى لَوْ قَبِلَ عَنْهُ غَيْرُهُ لَا يَعْتِقُ وَيَسْتَرِدُّ مَا دَفَعَ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، وَفِي الْخُجَنْدِيِّ إذَا قَبِلَ عَنْهُ إنْسَانٌ جَازَ وَيَتَوَقَّفُ إلَى إدْرَاكِهِ فَإِنْ أَدَّى هَذَا الْقَابِلُ عَتَقَ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ اسْتِحْسَانًا.
وَقَالَ زُفَرُ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ.
قَوْلُهُ: (فَإِذَا صَحَّتْ الْكِتَابَةُ خَرَجَ الْمُكَاتَبُ مِنْ يَدِ الْمَوْلَى وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ مِلْكِهِ) هَذَا قَوْلُ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَخْرُجُ عَنْ مِلْكِ الْمَوْلَى وَلَكِنْ لَا يَمْلِكُهَا الْعَبْدُ كَالْمُشْتَرِي بِشَرْطِ الْخِيَارِ وَقَوْلُهُ: خَرَجَ مِنْ يَدِ الْمَوْلَى حَتَّى لَوْ جَنَى عَلَيْهِ