الخمس، ولا تحرم الصدقة عليه، فالعلم بالنسب نافع، والجهل به ضار دون شك، ويجوز أن يعرف الرجل من نسبه ما تيقن؛ ولو علا إلى ما قبل الإسلام، إذا كان دائرا في فلك البر والتقوى، فقد نادى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبائل العرب بأنسابها حين عرض نفسه عليهم يدعوهم إلى الإسلام، ولما نزل عليه {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} (?)، صعد على الصفا وقال: «يا معشر قريش، اشتروا أنفسكم، لا أغني عنكم من الله شيئا، يا بني عبد مناف لا أغني عنكم من الله شيئا» (?)، وفاضل بين قبائل الأنصار، بل وقبائل العرب، وأثنى على الحبشة، ونسبهم إلى جدهم أرفدة فقال: «دونكم بني أرفة» (?)، ولكن كل ذلك في إطار لا يُخرج إلى العصبية التي تفرق ولا تجمع، وتنتقص ولا ترفع، فقد أنكر ما جرى بين الأوس والخزرج من دعوى الجاهلية وهو - صلى الله عليه وسلم - بين أظهرهم.
فعلم النسب مأمور به شرعا، أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حسان بن ثابت - رضي الله عنه - أن يأخذ ما يحتاج إليه من علم نسب قريش عن أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - (?)؛ وكان هو وأبو الجهم بن حذيفة العدوي، وجبير بن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف، كانوا من أعلم الناس بالأنساب، ولم يزل علما قائما في الصحابة والتابعين كسعيد بن المسيب، وابن شهاب الزهري، وغيرهما، ومن بعدهم في أتباع التابعين كالشافعي، وأبي عبيد القاسم بن سلام، وغيرهما، واعتنى به العلماء من بعدهم، وسيبقى إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وإن قصَّر فيه مقصر.