فقيل لعلي: ألا تأخذ الذرية؟ ، فقال: لا، فلم يعرض لهم، وكان مصقلة عامل علي على أردشير خُرّة (?) وهم خمس مائة إنسان.
وفي رواية أنه اشتراهم بخمسمائة ألف، وهم من قومه، فاستغاثوه قالوا: يا أبا الفضل، يا حامي الرجال ومأوى المعصب، وفكاك العناة، أمنن علينا واشترنا فأعتقنا، فقال مصقلة: أقسم بالله لأتصدقن عليكم إن الله يجزي المتصدقين.
قال ذهل بن الحارث: دعاني مصقلة إلى رحله فقُدّم عشاؤه فطعمنا منه، ثم قال: والله إن أمير المؤمنين ليسألني هذا المال وما أقدر عليه، فقلت: والله لو شئت ما مضت عليك جُمعة حتى تجمع هذا المال، فقال لي والله ما كنت لأحمّلها قومي، ولا أطلب فيها إلى أحد، ثم قال: أما والله لو أن ابن هند هو طالبني بها، أو: ابن عفان لتركاها لي، ألم تر إلى ابن عفان حيث أطعم الأشعث من خراج أذربيجان مائة ألف في كل سنة، فقلت له إن هذا لا يرى ذاك الرأي، لا والله ما هو بتارك شيئا، فسكت ساعة، وسكتُّ عنه، فلا والله ما مكث إلا ليلة واحدة بعد هذا الكلام حتى لحق بمعاوية، وبلغ ذلك عليا فقال: ما له يرحمه الله فعل فعل السيد، وفر فرار العبد، وخان خيانة الفاجر، أما أنه لو أقام فعجز ما زدنا على حبسه، فإن وجدنا له شيئا أخذناه، وإن لم نقدر على مال تركناه، ثم سار علي إلى داره فهدمها، وكان أخوه نعيم بن هبيرة شيعيا، ولعلي مناصحا، فكتب إليه مصقلة من الشام مع رجل من النصارى من بني تغلب يقال له: حلوان؛ أما بعد فإني قد كلمت معاوية فيك فوعدك الإمارة، ومناك الكرامة، فأقبل إليَّ ساعة يلقاك رسولي إن شاء الله، والسلام عليك، فيأخذه مالك بن كعب الأرحبي فيسرحه إلى علي، فأخذ كتابه فقرأه فقطع يده فمات، وكتب نعيم إلى مصقلة:
لا ترمين هداك الله معترضا ... بالظن منك فما بالي وحلوانا
ذاك الحريص على ما نال من طمع ... وهو البعيد فلا يحزنك إن خانا
ماذا أردت إلى إرساله سفها ... ترجو سقاط امرئ لم يلف وسنانا
حتى تقحمت أمرا كنت تكرهه ... للراكبين له سرا وإعلانا