(أبعد ستِّين منِّي يبتغي الأدباء)، فضلًا عَنْ سبعين، فضلًا عَنْ ثمانين. وقد قيل أيضًا:

والشيخ لا يترك أخلاقه ... حتَّى يوارى في ثرى رِمْسِهِ

إلى أن قال: ونحنُ ابتُلينا بقوم ما تعودوا تربية أهلِ الكمال، وإنَّما تعوَّدُوا بجفاءِ الأغفال، فلا حولَ ولا قوَّة إلا باللَّه.

ونحوه قوله لبعض جيراننا: قد ابتُلينا بمن ينازع فيما نقولُه ويوهيه مشافهةً، بل وصرَّحَ بأعلى مِنْ ذلك بدون أدب. ولطالما أُوذِيَ رحِمَهُ اللَّه مِنْ أتباعه وبعض طلبته، فيحتسبُ ويصبِر.

اتَّفق أنَّه قام في منع خطبة أُحدثت بمصر بمدرسةٍ جَعَلَ واقفُها فيها مدرسًا، وطلبه بعد إبطالِ الدَّرس ليصرِفَ معلومَه في الخُطبة وتوابِعِها مِنْ غيرِ ضَرُورةٍ للتعدُّدِ ولا مُسَوِّغ معتبر للإبطال، وعورض في صنعه بحيث لم يتمَّ قصده.

ورام بعضُ أهلِ الدَّولةِ التسلُّط على أهلِ الذِّمَّة المؤدِّين للجزية في أخذِ أموالهم، مستندًا إلى أنهم أحدثوا في الكنائس بناءً، ونحو ذلك، فعارضه بمذهبه، حيثُ لهم إعادة ما استُهْدِمَ منها بشرطِه، فشافهه حينئذٍ تلميذُه القاضي بدر الدِّين بن التنسي بما لا أحب إثباتَه وإن تعرَّض له بعضُ المؤرِّخين.

وكنت بين يديه بتربة قجماس، أقرأ عليه بعضَ المرويَّات بمحضرٍ حافلٍ، فيه شيخ الإسلام الأقصرائي والبدرُ البغدادي الحنبلي، أحدُ تلامذة صاحب الترجمة، ومَنْ شاء اللَّه مِنَ الخلق، يوم توفي شيخنا المستملي أبو النَّعيم رضوان العُقبي (?)، وكان مِنْ جملةِ الحاضرين الشيخ شهاب الدين العُقبي، وهو أخو المتوفى المذكور، فلما تمَّتِ القراءةُ، واستجزتُ المسمِعَ على العادة، التمس منِّي الحنبليُّ المذكورُ -بحضور شيخنا- استجازة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015