الباب السابع

في تحرِّيه في مأكله ومشربه وملبسه وأموره كلها، وضبط لسانه مما يشهد لورعه، حتَّى في الدُّعاء على مِنْ ظلمه، وسَعَةِ حلمه وصدره، وحُسن سياسته، والإغضاء عَنْ مِنْ يُؤذيه، لا سيما مع القدرة على الانتقام، بل يُحْسِنُ لمن أساء اليه، ويتجاوزُ عَن مِنْ قدَرَ عليه، وعدم سُرعة غضبه، ما لم يكن في حق اللَّه تعالى ورسوله -صلى اللَّه عليه وسلم-، وصبرِه على المِحَنِ والحوادث البدنيَّةِ والمالية، وعدم بثِّ ما عنده مِنْ ذلك، مما يدلُّ على كمالِ عقله ووقاره، وأنَّه غايةٌ في السماحة والسخاءِ والبَذْلِ، مع قصده إخفاءَ ذلك، وشفقتِه على خلق اللَّه تعالى، وإحسانه للغرباء، لا سيما أهل الحرمين، وابتكارِه لهم في أوقافهم المستجد والقدوم، مما كثُرَ التَّرحُّمُ عليه بسببه، وبرِّهِ لشيوخه وأبنائهم، بل بطلبته وأصحابه وخَدَمِه وذوي البيوتِ، وقيامه مع مَنْ يقع (?) في جائِحَةٍ منهم، ولو لم يقصِده وسَتْره وصبرِه على الطلبة، وتفرده عن كافَّة أهلِ عصره لمزيد التبسط في عارية (?) الكُتب، ودلالته الطَّلبة على الشُّيوخ مِنْ غير كراهةٍ في ذلك، واستجلاب الخواطر، وحُسْنِ عشرَتِه وتواضُعِه وانبساطِه، حتى يلعَبَ الشطرنج في النَّادرَ، وحلوِ مُحاضرته، وعَذْب مذاكرته، وذكره الحكايات اللَّطيفة والنوادر الظَّريفة، وإنشاده الأشعار الهزليَّة الدالَّة على رِقَّةِ طبعه، وظَرْفِه ولطافَةِ ذاتِه الشَّريفة، ممَّا لا يزداد معه إلا هيبةً

طور بواسطة نورين ميديا © 2015