المنتسبين إلى مقالتهم أعزُّ مِنْ مذهب السنة بين سائر الآراء والنحل، وأقلّ من عدد المسلمين في مقابلة جميع الملل.

قلت: وقد روينا مِنْ طريق المسيِّب بن واضح، عن أبي إسحاق الفَزاري، عن الأوزاعي، عن الزهري، قال: مثل أصحاب الحديث مثلُ التِّمساح يبيضُ مائة بيضة، تفسُد تسعة وتسعون، وتسلم واحدة.

ومن طريق العباس بن محمد الدُّوري: حدثنا شاذان، أنبأنا إسرائيل، قال: كنت فيمن (?) يطلب الحديث أيام الأعمش، فقيل له: يا أبا محمد، ما ترى إليهم؟ ما أكثرهم. فقال: لا تنظروا إلى هذا، ثلث هؤلاء يموتون، وثلثهم يعجبون (?) بالأعمال، وثلث من كل مائة يُفلح واحد. انتهى.

ولذلك قال البخاري فيما رواه الخطيب في مقدمة "جامعه" من طريقه: أفضل المسلمين رجل أحيا سنةً مِنْ سنن النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قد أُميتَتْ، فاصبروا يا أصحاب السُّنن رحمكم اللَّه، فإنكم أقلُّ الناس. وقال الخطيب عقبه: عنى البخاريُّ بذلك الحفاظ للحديث، العالمين بطُرقه، المميزين لصحيحه من سقيمه، وقد صدق في قوله، لأنك إذا اعتبرت لم تجد بلدًا من بلدان المسلمين (?) يخلو من فقيه أو متفقه يرجع أهل مصره إليه، ويُعَوِّلون في فتاويهم عليه، وتجد الأمصار الكثيرة خالية من صاحب حديث عارف به، مجتهد فيه، وما ذاك إلا لصعوبة علمه وعزته، وقلة من يَنجُبُ (?) فيه من سامعيه وكتبته، وقد كان العلم في وقت البخاريّ غضًّا طريًّا، والارتسام به محبوبًا شهيًّا، والدواعي إليه أكبر، والرغبة فيه أكثر، وقال ما حكيناه عنه، فكيف يقول في هذا الزمان مع عدم الطالب، وقلة الراغب؟ وكأن الشاعر وصف قلَّة المتخصصين به من أهل زماننا في قوله:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015