إسحاق السَّبِيعي، عن الحارث بن مُضرب، عن علي رضي اللَّه عنه، قال: من أنزل الناس منازلهم رفع المُؤنة عن نفسه، ومن رفع أخاه فوق قدره اجترَّ عداوته] (?).
قال أبو أحمد العسكري في "الأمثال": هذا مما أدَّبَ به النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أُمته في إيفاء الناس حقوفهم، من تعظيم العلماء، وإكرام ذي الشيبة، وإجلال الكبير، وما أشبهه.
وقال مسلم بن الحجاج في "صحيحه" قُبيل هذا الحديث: إنه لا يُقصر بالرجل العالي القدر عن درجته، ولا يُرفع متَّضِع القدر في العلم فوق منزلته، ويُعطى كلّ ذي حق فيه حقه، ويُنزل منزلته.
وقال غيره: المراد بالحديث: الحضُّ على مراعاة مقادير الناس ومراتبهم ومناصبهم، وتفضيل بعضهم على بعض في الإكرام في المجالس، لقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ليلِني منكم أُولو الأحلام والنهى ثم الذين يلونهم"، فيقدِّم الإمامُ في القرب منه الأفضلَ فالأفضل مِنَ البالغين والعقلاء إكرامًا لهم، ويعامل كل أحد بما يلائم منصبه في الدين والعلم والشرف والمرتبة، فإن اللَّه أعطى كل ذي حقٍّ حقه، وكذا في القيام والمخاطبة والمكاتبة، وغير ذلك من الحقوق. نعم، سوّى الشرعُ بينهم في القصاص والحدود، وأشباهها، لكن في التعازير يعزَّرُ كلُّ أحدٍ بما يليق به، وبهذا الحديث تمسَّك المتكلمون في التعديل والتجريح لرواة الأخبار، ليتميَّزَ صالحهم من طالحهم، واللَّه تعالى الموفق.
ورتبت هذه الكتاب على مقدمة وعشرة أبواب وخاتمة.
أما المقدمة، ففي التعريف بشيخ الإسلام والحافظ، والمحدّث، لكون الأوَّلَيْن عند الإطلاق لا يراد بهما في زمنه سواه بالاتفاق.